الإعلام مثل المخدرات، في خطورته، ولذلك لا تمر دورة على المجلس الوطني الاتحادي، إلا وكان موضوعاً على جدول أعمال جلساته، هو والمخدرات معاً.
وفوق ذلك، لا يمر يوم على المواطنين إلا ويكون الإعلام، بكافة أجهزته محل نقاش وتساؤل وغضب أو رضا منهم، وربما يفوق الحديث فيه وعنه، حديثهم عن المخدرات نفسها.
وكل هذا يعكس وعي الناس، سواء كانوا أعضاء في المجلس الوطني، أم أمهات وربات بيوت، أم آباء وموظفين ومسؤولين وغيرهم، بالإعلام ودوره وأهميته..
إلا أنني أرى أن الإعلام أخطر من المخدرات، فإذا كانت هذه تصيب جزءاً من المجال فالإعلام يصيب المجتمع كله بآفاته، ويمكن أن يعطله عن دوره، كما يمكن أن يحرف مساره بعيداً عن طموحاته، فيما لو كان فالتاً ومفلوتاً، ومتروكاً على حل شعره.
فهو موجود في كل بيت، وفي كل سيارة، وفي كل مكتب، وفي كل شارع، وفي كل حي ومدينة، ينام مع المواطن ويصحو معه، أو أن المواطن ينام عليه ويصحو به، ولا يستغني عنه لحظة في عصرنا هذا، عصر الاتصالات، حيث إذا باضت دجاجة في اولان باتور بأقصى شرق العالم، يأتينا خبرها بعد أقل من ساعة، أو إذا تفركشت وزحلقت بقرة في كاليفورنيا، نرى صورتها وهي تبكي بعد دقائق.
وهكذا، فإن شبابنا عرفوا مایکل جاکسون من الإعلام، لا من أمهاتهم ولا من المدارس، ويعرفون اليوم مادونا ويشاهدونها ويعرفون خالد ديدي من هذا الإعلام، كما قد يعرفون بالمقدار نفسه هيلموت كول أو جون میجور أو سيدني بواتييه أو کریستیان لاكروا، وربما أنهم عرفوا ما هو أفظع من جاكسون وديدي، ونحن لا نعلم، بالمقدار الذي صاروا يجهلون مثلاً من هو أحمد شوقي، أو جمال عبد الناصر أو سيد درويش.
ولا يكفي لدرء خطر الإعلام، أن يكون عندنا ثوابت ومرتكزات من العقيدة والقيم والأعراف والتقاليد، إذا لم تكن هذه مشمولة في برامجنا وخططنا الإعلامية، والأهم في سياستنا الإعلامية، فالثوابت هذه نفسها، سرعان ما تتعرض للتآكل والذوبان والتغير، مع وجود الفلتان الإعلامي غير المحكوم بضوابط، ومع وجود الاضطراب في نظراتنا للإعلام، وعدم تحديد أهدافنا منه، كوسيلة تنموية، لا كغاية في ذاته.
ويعيبنا في الإمارات، على الرغم من أحاديثنا المتكررة والمتجددة عن الإعلام، سواء كان ذلك في المجلس الوطني، أم على المستوى الحكومي والشعبي معاً، بعد مرور كل هذه السنوات، أنه لا توجد عندنا بعد سياسة إعلامية واضحة، تحدد أهداف الإعلام ودوره في التنمية الوطنية، وفي التوعية والتثقيف معاً.
ويتصور بعضنا، أنه بمجرد الحديث عن بعض الخطط هنا وهناك، وعن بعض التطوير في المنشآت والأجهزة، نكون قد امتلكنا مثل هذه السياسة، فيما السياسة التي نعنيها شيء مختلف وآخر.
فهذه السياسة التي نقصد، لا يصنعها وزير الإعلام بنفسه، وإلا فإنه يحملها معه عندما يغادر الوزارة، فيأتي خلفه بسياسة أخرى، فهي إذن السياسة الثابتة التي يصنعها المجتمع بكل فئاته وشرائحه، من حكومة ومؤسسات ومواطنين أيضاً، آخذين في الاعتبار مصلحة البلاد ومواطنيها، وأهمية الإعلام في التنمية وفي الوحدة الاجتماعية والوطنية، وكمساهم أساسي في التطور الإيجابي.
لذلك، نرى أن ما طرح في المجلس الوطني مؤخراً من اقتراح بإنشاء مجلس أعلى للتخطيط الإعلامي، هو خطوة في هذا السياق، جديرة بالتبني والتنفيذ، لنكون على الأقل في أول الطريق نحو سياسة إعلامية واضحة المعالم والأهداف، ولو كنا متأخرين فيها سنوات، وإلا فسيظل الإعلام عندنا أخطر من المخدرات، ويعمل عكس اتجاه سيرنا، ولو ببراءة الأطفال في عينيه. 10/6/1993