لو كنت اليوم عضواً في أحد الوفود العربية التي تفاوض إسرائيل في واشنطن، لوضعت رجلاً فوق رجل، وفاجأت المفاوض الإسرائيلي وشريكه التام والكامل، بالمطالب العربية الآتية قبل أن يفتح فمه هذا ويطالبنا بأكثر مما عندنا:
- لن نرضخ لقرارات ونداءات منظمة الصحة العالمية، ولن ننفذ حرفاً منها، ولن نتوقف عن التدخين، سيجارة وسيجاراً وشيشة، قبل أن توقف إسرائيل برنامجها النووي، ولو خرمنا بذلك الأوزون، وهددنا الكرة الأرضية بكاملها بالدخان.
- لن نتخلى عن التبولة والمنسف والكبة النية وزنود الست وأم علي، وغيرها من مبادئنا القومية الثابتة ومرتكزات سياستنا الداخلية والخارجية، ولا عن أي صحن من صحون أیدیولوجیتنا وتراثنا العربي، قبل أن تتخلى إسرائيل نهائياً عن تطوير صاروخ أرو.
- لن نعود من واشنطن، إلى حريمنا وعيالنا، وسنبقى معتصمين أمام البيت الأبيض، حتى تظهر لنا هيلاري كلينتون، ونأخذ معها صوراً تذكارية، ثم يمكننا بعد ذلك التفكير في العودة إذا وافقت إسرائيل على عودة كل المبعدين من قراهم، القدامى والجدد واللاحقين على السواء.
- لن نوقع معها اتفاق سلام ولا اتفاق خصام، قبل أن تضمن لنا إسرائيل سلامة حدودنا وأمننا القومي والعسكري والغذائي والاقتصادي والزراعي والنفسي والأخلاقي والمائي والجوي والبري، والبقية الباقية مما هو موجود على رفوف سوبر ماركت الأمن العربي.
وبعد أن يكون المفاوضون الإسرائيليون قد صب عرقهم وساح من سماع هذه المطالب المتشددة، وقبل أن يستنجدوا بالشريك الكامل كعادتهم، لإخراجهم من هذه الورطة، سأزيدهم بما يقصف ظهرهم ويجعلهم لا يعرفون كوعهم من بوعهم، أو رأسهم من بنكرياسهم، وسأختم بالمطلب الخامس الذي لا رجعة عنه، فهو أم المطالب:
- نرفض الانسحاب شبراً واحداً من طاولة المفاوضات، قبل أن نضمن انسحاب إسرائيل الكامل من حصانا وترابنا وشجرنا وتراثنا، ومن كافة المنظمات الدولية والاتحادات والنقابات، بما في ذلك الاتحاد الدولي للعمال ولكرة القدم ومسابقات ملكات الجمال والقرع والطماطم.
وتظل هناك مطالب أخرى، على المفاوض العربي ألا يكشف عنها حالاً، فهي أوراق اللعب للجولات النهائية وللمناورات الختامية، ونكتفي بما ورد منها سابقاً، فهي تكفي وزيادة على مفاوضينا، لولا أن هؤلاء يذهبون كل مرة إلى واشنطن مکشوفين حتى من مطالبهم ومناوراتهم، يجدون أن مبادرات ومشاريع قد سبقتهم إلى هناك، منها مشروع الجيوب للفلسطينيين الذي تسرب أمس، وهو آخر طبعة في سلسلة مشروعات السلام، فيما نحن نتزحلق من مشروع إلى آخر.
وواضح أن هذه الجيوب آخر صرعة في قاموس الأمم المتحدة والدول الغربية، فمن جيوب للأكراد إلى جيوب للبوسنة، وأخيراً إلى جيوب للفلسطينيين، الذين عليهم أن يبادروا بشكل جماعي لاستئصال جيوبهم الأنفية، قبل أن يطالبهم العالم، عن طريق مفاوضات السلام هذه، بأن يسكنوا فيها فتصير وطناً لهم، تحميه قوات من الأمم المتحدة، من الزكام والرشح والإنفلونزا.
وشخصياً، حمدت الله أمس وأنا أقرأ خبر هذه الجيوب، أن أنفي سليم 24 قيراط، ولا يوجد فيه خرم أو ثقب أو شق يصلح ليكون جيباً، فسلمت بذلك من قرار محتمل للأمم المتحدة وأمريكا وبريطانيا وفرنسا وكافة الدول العظمى، باستخدامه کجیب آمن للاجئين الصوماليين، إذ من الواضح أن نهاية سوداء تنتظر قضيتنا مثل نهاية الجنرال عيدید وأنها ستكون بعد الآن من اختصاص أطباء الأذن والأنف والحنجرة. 15/6/1993