عبد الحميد أحمد

أثرياؤهم وأثرياؤنا

يصف الأمريكيون، حيث يكثر في بلدهم الأثرياء، الرجل المليونير بأنه الوحيد الذي يساعد موته في حل أزمة الكثيرين من أقاربه وهو وصف ينطبق على كل مليونير، لا على الأمريكي وحده.

غير أن المقصود عند الأمريكيين، هو أن واحداً ثرياً يخلف وراءه عدة مليونيرات حتى يكثر عندهم، أثرياء الصدفة والحظ، سواء من خبطة لم تخطر على بال، أو من صفقة سريعة ترفع إلى الأعالي، أو موت قریب غني، إضافة بالطبع إلى الذي يبني ماله من عرق جبينه وكد يده وتعب رجله.

وكان مليونير من تكساس يروي لعماله نضاله وعناءه وكيفية جمعه الثروة الطائلة، فقال لهم: عندما بدأت العمل كنت فقيراً معدماً ليس في جيبي سوى سنتين، فاشتريت تفاحتين نظفتهما مع زوجتي حتى صارتا تلمعان فبعناهما بأربعة سنتات، ثم اشتريت بهذا المبلغ أربع تفاحات، قمنا بتلميعها حتى صارت كالمرايا فبعناها بثماني سنتات، اشترینا بها ثماني تفاحات فعلنا بها كما فعلنا بسابقاتها وبعناها بستة عشر سنتاً، وفي تلك الأثناء توفي عمي جون مخلفاً لي ثلاثين مليون دولار.

ومع ذلك، فإن بعض الأثرياء لا يتركون لورثتهم دولاراً واحداً، ويفضلون عليهم كلابهم الوفية وقططهم المدللة، أو يفضلون التبرع بمالهم لجمعيات خيرية أو علمية أو طبية، وليضرب هؤلاء الأقارب رؤوسهم بالحيط، أو ليعودوا إلى تلميع التفاح وبيعه.

ثم إن فيهم أثرياء سفهاء، لا يكادون يجمعون ثروة، بالصدفة أو الحظ، حتى يبددونها في شراء اليخوت والقصور وحياة البذخ، حتى أن هناك في أمريكا أثرياء يعلنون إفلاسهم يومياً، بقدر ما يوجد آخرون يعلنون انضمامهم إلى نادي الأغنياء، كل يوم وكل ساعة، وربما لهذا السبب يفضل بعض الأثرياء الذين جمعوا أموالهم تعباً وعرقاً التبرع بها لمؤسسات، قبل أن تتبدد على أيدي مثل هؤلاء الطارئين من الأثرياء من أولادهم وأقاربهم.

من هؤلاء حتماً الملياردير والتي ایننبرج صاحب مؤسسة ایننبرج الخيرية، الذي قرأنا مؤخراً أنه تبرع بمائة مليون دولار للمدرسة الداخلية التي تخرج منها منذ 66 عاماً، وهي منحة جزء من منحة إجمالية مقدارها 365 مليوناً تقدمها مؤسسته لجامعات ومؤسسات علمية وثقافية وخيرية مثل جامعة هارفارد الشهيرة.

وبتبرعات مثل هذا الملياردير العجوز البالغ من العمر 85 عاماً، تشتغل اليوم وتتقدم مدارس ومراكز تربوية واجتماعية وكليات علمية وجامعات ومؤسسات ثقافية ورياضية في كامل الولايات المتحدة، وتتطور علوم وأبحاث وفنون في كل المجالات، إلى جانب ما تحصل عليه طبعاً من مداخيل ذاتية ومن إعانات حكومية، ومثل ذلك يحدث في الدول المتقدمة، كأوروبا واليابان، فيما لا نجد له أثراً في دول العالم الثالث، رغم أثريائه وأغنيائه، إلا فيما ندر وقل.

وحين دعا صاحب السمو رئيس الدولة مؤخراً أثرياءنا إلى مثل هذه الأعمال الخيرية، كان واضحاً وصريحاً في التفريق بين المساهمة في بناء المجتمع وتقديم ما يفيد أبناءه وبين الزكاة الشرعية، فأكد أن المطلوب من الأغنياء ما هو فوق الزكاة من أعمال خير وصدقة جارية.

ومع أننا لم نسمع بعد من جماعتنا أي مبادرات حتى الآن، إلا أننا نأمل أن يكون عندنا قبل الشتاء المقبل، عدد من صالات الأفراح، وعدد من المدارس أو على الأقل فصول دراسية إضافية تحتاجها مدارسنا، ومثلها مراكز للمسنين أو عيادات في المناطق النائية، ومجموعة من المقار اللائقة لجمعيات النفع العام، وإسهاماً كريماً في حل ضائقة بعض الأندية والاتحادات الرياضية، وفوقها بضعة مشاريع لحدائق أطفال في الأحياء السكنية ومراكز رياضية وترفيهية لفتياننا وفتياتنا، وغيرها من المشروعات التي نرى مجتمعنا في حاجة إليها.

..  غير أنني أكاد أسمع قراء يهمسون لي الآن: حيلك حيلك، ولا تزيد في الأحلام، فأثرياؤنا بدأوا طيرانهم إلى المصايف الباردة، ووفر كلامك للشتاء، لحين عودتهم.   23/6/1993

أثرياؤهم وأثرياؤنا – عبد الحميد أحمد