لو لم يكن جورج بوش رئيساً للولايات المتحدة، لما كان لقلبه أية أهمية، فهو مثل كل القلوب الأخرى بطينان وأذينان، وأوردة وشرايين مثل الأنابيب، تضخ إلى الجسم دماء مثل دمي ودماء آخرين من بني البشر.
إذن الرئاسة وتحديداً رئاسة أكبر وأقوى دولة في العالم اليوم أعطت لقلب بوش أهمية استثنائية ووضعاً خاصاً يهم الكرة الأرضية، فهو قلب سياسي واقتصادي، والحمد لله أن أمس كان الأحد، والأحد إجازة لأسواق المال والبورصات، وإلا فمن كان يدري ما الذي سيحصل للدولار والذهب والبترول والسكر والبن وأسهم جنرال إلكتريك وتوشيبا، وما الذي سيحصل لأصحاب المال والأعمال؟ ربما مئات من السكتات القلبية، مصدرها الأساسي قلب جورج بوش.
إذن، اهتمام وكالات الأنباء ومحطات الإذاعة والتلفزيون بقلب الرئيس الأمريكي في محله، وبثها خرائط وصوراً متلفزة تشرح العطب الطفيف الذي أصابه هو حدث عالمي، خاصة أن جورج بوش الذي انتصر في حرب الخليج للشرعية الدولية، يأمل منه العالم الكثير، لتدشين النظام العالمي الجديد وإرساء قواعده ومفاهيمه، وهذا الأمر ليس مضموناً بالضرورة في حال تولي خليفته دان كويل الرئاسة.
وبالنسبة لنا نحن العرب، ودول الخليج تحديداً وجدنا لدى بوش كل المصداقية حين لم يخذلنا في معركة تحرير الكويت ومن هنا فإن قلب بوش سياسي أيضاً.
وكنا أيام أزمة الخليج وأيام «أم المعارك» (هل تذكرونها؟) والتي وصفها قارئ عزيز أمس نقلاً عن مصادر آسيوية بــ «أم جنجال» قد تعلقت أنظارنا بالرجل لحظة بلحظة، وكنا نندهش وهو الذي يقارب السبعين يطلع علينا على الـــ CNN وهو يجري ويدير في الوقت نفسه أكبر أزمة عرفها العالم بعد الحرب الثانية وأحبه شوابنا وعجائزنا واعجبوا به ودعوا له بطول العمر وازداد هذا الإعجاب بعد تحرير الكويت حتى صار جورج بوش واحداً منا أقرب إلينا بكثير من كثير من الزعماء العرب، خاصة الذين انقلبوا علينا وساندوا الظالم على المظلوم، وبدا لنا أن قلب الرجل نظيف وصادق وأبيض، وعلى عكس قلوب الآخرين من زعماء الشعارات والدجل، التي ظهرت كم هي سوداء مسخمة، وقبل الأزمة كان لمعانها الذي ظهر في كلامهم قد خدعنا بالحب والتضامن والوحدة، حتى عرفنا حقيقة معنى القول إن القلوب قلب بين الحب فجأة والحقد فجأة، وبين الجبن فجأة والمروءة فجأة… وهكذا فصار لزاماً علينا بعد الآن الحذر من هذه القلوب القُلّبْ.
… وخطر لي أمس وأنا أستمع لخبر مرض قلب جورج بوش أن ثمة عيناً أصابته، عين واحدة من عجائزنا، أطال الله أعمارهن وبقاءهن بيننا، فهن الخير والبركة، حتى طرحت الرجل سرير المستشفى، لكن سرعان ما عذرت، عملاً بمبدأ من الحب ما قتل، مع الدعاء بالطبع ألا يتغير علينا قلب جورج بوش بعد شفائه.
من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.