عبد الحميد أحمد

بلدية دبي

يحدث أن تجد في دائرة ما أو وزارة ما موظفين منهمكين في العمل إلى درجة لا يجدون الوقت حتى لحك رؤوسهم.

ويحدث أيضاً أن تجد في دائرة أخرى أو ربما في الدائرة نفسها موظفين لديهم الوقت ليس لقراءة الصحف أو الأحاديث الهاتفية، بل لمشاهدة فيلم فيديو أو الذهاب للتسوق.

وبلدية دبي قررت إضافة نصف ساعة عمل يومياً للدوام الرسمي، ذلك لأنها من الصنف الأول من الدوائر، حيث إن غالبية العاملين فيها لا يجدون متسعاً من الوقت لإنجاز معاملات الناس، لكثرة هذه المعاملات ولضغط العمل الناشئ عن طبيعة دور البلدية ومهماتها الخدمية.

والبلدية رغم أنها طورت ولا تزال تطور خدماتها، بحيث صارت أنموذجاً في سرعة إنهاء المعاملات ومرونتها قياساً بدوائر ووزارات أخرى لا تزال تزحف كالسلاحف (الوزارات وليس البلدية) لم تكتف بما وصلت إليه ولم يغرها العسل كي تنام عليه، بل مضت في الوقت نفسه تطور في هياكلها وبنية إداراتها وأقسامها وقوانينها الإدارية والوظيفية كي تكون قادرة على مواكبة التطورات التي تشهدها إمارة دبي، مستعينة في ذلك بخبراء من الأمم المتحدة.

وقرار زيادة ساعات العمل جاء في هذا السياق، لكن قبله أخذت البلدية في اعتبارها تسكين الوظائف وتعديل اللوائح وتطويرها ليشمل ذلك تعديلات في الرواتب والعلاوات كما أخذت في الاعتبار الاستقرار النفسي والاجتماعي للموظف، عن طريق التأمين على العاملين فيها لحالات الوفاة أو العجز وخلافه، وهو ما حدث مؤخراً إضافة إلى سياسة التوطين التي تنتهجها مما رفع نسبة المواطنين فيها.

ومن البلدية إلى الدوائر الأخرى، وبالذات الوزارات التي صار بعضها مثالاً لتدني الإنتاجية وتأخير المعاملات وصار بعض موظفيها مضرب الأمثال في هدر ساعات العمل نكتشف أن كثيراً من هذه الوزارات لم يطرأ أي تعديل على هياكلها ولا تطوير لأقسامها يواكب ما وصلت إليه الدولة، وفوق ذلك ظل موظفوها ومنذ آخر مرة حصلوا على زيادات في الرواتب، على ما هم عليه مع ما حدث من زيادات في أسعار كل شيء من الإبرة حتى كيلو الطماطم إلى السيارات، حتى طفحت هموم بعضهم فصاروا مشغولين بأعباء المعيشة أكثر من انشغالهم بأعباء العمل.

وإذ نشير إلى البلدية كمثال، لا نعني أنها وصلت إلى الكمال، لأن فيها من الموظفين هي الأخرى من يجد وقتاً ليس لحك الرأس، بل للتثاؤب الطويل، لكن قصدنا الإشارة إلى نموذج من الدوائر يمكن أن يحتذى وتستلهم تجربته.

من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.