يشعر اللبنانيون هذه الأيام بالارتياح وهم يرون هم الميليشيا ينزاح عن صدورهم، فعلى الأقل سيكون بإمكانهم الانتقال بحرية من غرب بيروت إلى شرقها دون المرور على حاجز ميليشياوي يتربص بهم عنده فريق مسلح أزعر، أو الانتقال من جنوب لبنان إلى شماله دون الاضطرار إلى دفع «الخوة»، ناهيك عن خطر القتل أو الاختطاف على الهوية.
لكن هذا الارتياح سرعان ما تبدد عندما يتساءل اللبنانيون عن مصير أفراد هذه الميليشيات التي كتمت أنفاس بلدهم وحكمته طيلة فترة تزيد على ١٦ عاماً، حيث سيجد هؤلاء أنفسهم فجأة بلا عمل ولا معاشات.
القلق بالطبع ليس على الزعماء فهؤلاء سيضمنون لأنفسهم ولمحازيبهم القريبين منهم مناصب في الدولة وحتى لو لم يحدث ذلك فهؤلاء أصبحوا في سنوات الحرب من أصحاب المال والعقارات والمطاعم والكازينوهات وغيرها من المشاريع، التي ستضمن لهم عيشاً يشبه عيش أبناء المليونيرية، لكن القلق الذي يساور عموم اللبنانيين مصدره أفراد هذه الميليشيا التي أنشأها زعماء الطوائف والزواريب الذين لا يجيد بعضهم القراءة والكتابة وتنحصر مؤهلاتهم وكفاءاتهم في فنون التشبيح والقنص والخطف والقتل واللصوصية وكافة الفنون التي فرضتها الحرب الأهلية اللبنانية، فبعض هؤلاء قال عند اضطراره لتسليم أسلحته وخلع ملابسه الميليشياوية إنه يشعر بالضياع ولا يستطيع تصور نفسه بدون ثيابه العسكرية ورشاشه الكلاشينكوف، وآخرون قالوا: إن الحرب بالنسبة لهم لم تنته ما دام هناك مسلم في لبنان، والمسلم قال مادام هناك مسيحي، والقواتي قال: ما دام هناك كتائبي وشيعي… وهكذا إلى آخر قائمة الخانات الطائفية والسياسية التي انتعشت في لبنان.
وبما أن أنسب مكان لاحتواء هؤلاء هو الجيش على اعتبار معرفتهم بأنواع الأسلحة وكيفية استخدامها، إلا أن فريقاً من اللبنانيين يرفض إدخالهم إلى الجيش وهذا الفريق يبدو أنه على حق، إذ كيف يمكن أن يؤمن اللبناني على حياته وأملاكه بوضعها في حماية لصوص وفارضي خوات وقتلة؟
… الجدل إذن في لبنان والقلق كذلك حول مصير مخلفات هذه الميليشيات مستمر، ويشعر به اللبنانيون حتى أن بعضهم قال: «هالزعران مشكلة في الحرب، وفي السلم أيضاً» مع أن هناك اقتراحات وجيهة لاستيعابهم ودرء مخاطرهم لو يوافق عليها اللبنانيون حتى تعود لبلادهم «أيام اللولو»!
من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.