عبد الحميد أحمد

ندوة علمية

زمان لم نكن نسمع عن صبي أتى فعلاً شائناً، واليوم فإن ممارسات الذين يسمون بــ «الأحداث» يندى لها الجبين وبعض هذه الممارسات يتم تصنيفها خطأ كجريمة.

وتقول الإحصاءات إن أعداد الجانحين في تزايد، فقد ارتفعت من ٥٩٣ عام ٨٤ إلى ١٩٩٢ عام ٨٨، أي بمعدل الضعف في أربع سنوات ولا تبشرنا الأرقام بخير حين تقول لنا إن نسبة المواطنين من الأحداث الجانحين هي الأكبر حيث بلغت ٥٧٪.

وتعترف الأرقام نفسها بعدم دقتها لأنها لا تعبر إلا عن الحالات التي وصلت إلى محاضر الشرطة أو ملفات الرعاية الاجتماعية أما الحالات التي لا يتم التبليغ عنها، أو يتم التستر عليها لأسباب عديدة، فلا تشملها الإحصاءات ونعتقد أن مثل هذه الحالات يفوق ما هو موجود في إحصاءات الشرطة، إلى الدرجة التي يمكن فيها القول إنه في كل بيت هنالك جانح بشكل ما، وبدرجة ما وليس في ذلك مبالغة.

فالولد الذي يرفع صوته على أبيه ويشتم أمه جانح، والولد الذي يضرب أستاذه في المدرسة جانح، والولد الذي يقود سيارة «يشفط» فيها ويزعج الآخرين جانح، أما الذي يتعاطى السماسيم والغراء والذي يتشرد متصعلكاً ليل نهار هاجراً بيت والديه والذي يسطو ويسرق ويتفنن في كسر الأبواب والذي يبتدع من الابتكارات للتعبير عن تمرده ما يذهل ويدوخ رؤوس ضباط الشرطة وأولياء الأمور فهؤلاء جانحون وصلوا إلى حد الخطر.

الجانح ببساطة، خارج على المجتمع ومتمرد على عاداته وقوانينه وغير منسجم ولا قادر على التواصل الاجتماعي والنفسي مع محيطه، وكل مظاهر سلوكياته اللاحقة تعبر عن أزمته هذه التي كثيراً ما يشعر بأن الآخرين لا يحسون بها، إضافة إلى كونهم المسبب لها، ومن هنا فإن الجانح حقاً هو نتيجة ومعطى وإن شكلت سلوكياته أسباباً لما يشبه الجريمة، وما هي بجريمة.

لسنا نبحث في هذه الظاهرة الخطيرة، لأن لها من الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين والتربويين والقانونيين من بإمكانه وقدرته التصدي لها، لكننا نقول بمناسبة انعقاد ندوة علمية حول هذه الظاهرة تنظمها شرطة دبي اليوم وغداً بأهمية اعتبار الجانحين صنفاً معقداً من المرض الاجتماعي، لا يخلو من أبعاد نفسية وفكرية متداخلة.

ونقول بأهمية الدخول إلى عالمهم والاستماع إلى صوتهم وهواجسهم الداخلية، لأن في ذلك مقاربة أصح لوقاية المجتمع من استشراء هذه الظاهرة ووقف استفحالها.

وبداية الطريق ندوة كالتي تنظمها شرطة دبي والتي يقع عليها جزء كبير من عبء العلاج فدرهم وقاية، ندوة كان هذا الدرهم أو بحثاً واستقصاء سيغني أجهزة الشرطة وغيرها من مؤسسات الدولة عن آلاف القناطير العلاجية فيما بعد على أمل أن يكون هناك أمل في وقاية!

أما ندوة اليوم، فتقدم لنا شفرة مهمة هي أن الشرطة جهاز اجتماعي أيضاً إلى جانب كونه جهازاً أمنياً وكذا نريد أن تكون كافة دوائرنا وأجهزتنا بمختلف اختصاصاتها وأدوارها.

من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.

من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.