عبد الحميد أحمد

الأحداث أيضاً

يقتاد الشرطي الحدث من إياهم إلى الزنزانة، وفي الطريق يقول له يا لص يا حرامي، عندما يخرج هذا من السجن يكون فعلاً لصاً هذه المرة، لصاً معتبراً!

وشرطي آخر يشخط في وجه حدث آخر واصفاً إياه بالمجرم، فيتحول هذا فيما بعد إلى مجرم عتيد وقتال قتلة!

طبعاً ليس من كلمة يتحول بعض الأحداث إلى لصوص محترفين مثل روبرت واجنر في اللص الظريف، أو إلى مجرمين ينافسون المرحوم توفيق الدقن في أدواره الشهيرة، بل من المعاملة كلها التي يجدونها في السجون ومراكز الحجز بدءاً من الكلمة تلك التي تصعق أسماعهم وهم يدخلون البوابة الكبيرة.

أما في السجن نفسه، فيخالط الأحداث العتاة من أصحاب السوابق والجرائم الخطيرة مثل البرادعي أو كافة الشخصيات التي قام بها محمود المليجي وعادل أدهم وغيرهما على شاشات التلفزيون، سامحها الله، ونستشهد هنا بالممثلين الذين جسدوا أدوار الشر وأنواع الجريمة مثل القتل والخطف والتهريب والتزوير، لأننا واثقون أن القراء الكرام لم يخالطوا أو يتعرفوا على مجرمين حقيقيين في حياتهم مثل الذين خالطهم وتعرف عليهم، وتعلم منهم أيضاً، الأحداث في السجون.

وعليه فإن سجوننا جامعات يتخرج منها الأحداث ويتحولون فيها، إلى مجرمين كاملي الأوصاف، وليس فيما نقول أية مبالغة، لأن عدداً من الباحثين المختصين يعترفون بهذه الحقيقة، كما يقر عدد من مسؤولي الأمن ومسؤولي الرعاية الاجتماعية بخطأ وضع هذه الشريحة من أبنائنا وإخواننا في زنزانات يحبسون فيها مع مجرمين حقيقيين.

وبعض دراسات ندوة الأحداث التي تنظمها شرطة دبي وتختتم أعمالها اليوم، وقبلها دراسات أخرى قام بها باحثون آخرون أشارت إلى هذا الخلل الفادح الذي يؤدي إلى تفريخ مجرمين بدلاً من إصلاح هؤلاء ورعايتهم وإعادة تأهيلهم الاجتماعي والنفسي، كذلك فقد ظهرت بعض الأصوات تطالب بوجود مراكز خاصة لمثل هؤلاء الجانحين يعمل بها أخصائيون اجتماعيون ونفسيون وتربويون على مستوى عالٍ من الكفاءة والخبرة وفارق كبير بالطبع بين أن تضع حدثاً في مركز خاص وبين أن تزج به وراء قضبان زنزانة.

وللحق، فإن أبحاث الندوة كما تسنى لنا من متابعة تلخيصاتها بالصحف لمست جوانب أساسية ومهمة في مشكلة الجناح لدى الأحداث، ونعتقد أكثر أن قيادة شرطة دبي ما نظمت من أساسه هذه الندوة لولا شعورها بأهمية هذه المشكلة وبثقلها على المجتمع أولاً وعليها كجهاز شرطة ثانياً لكن ما نطمح إليه أكثر، هو أن تكون الأفكار والاقتراحات الخاصة بالعلاج والوقاية معاً والتي سيندرج كثير منها في التوصيات محل تنفيذ مباشر وسريع وأن تكون شرطة دبي نفسها سباقة، كما عودتنا دائماً بما تملكه من قدرات وكفاءات وخبرة وأول ما يمكن تنفيذه هو المركز الخاص بالأحداث الذي بإمكانه وحده أن يعيد لنا أولادنا الجانحين كما عرفناهم قبل انحرافهم لا كما يخرجون إلينا من الزنازين، وهم أكثر خطورة حتى من كارلوس!

من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.