سيدور اليوم الجمعة حوار في سوق السمك بين اثنين من شوابنا، سيقول فيه الأول للثاني: «ما قلت لك يا بو محمد، اترك عنك الدجاج وخلك مثل ما كنا على السمك؟» وسيرد عليه الثاني: «صدقت يا بوراشد وما أتذكر كلامك إلا لما يطلع لنا هذا اللي يسمونه سلمانيلا وأشوف عمري في حيص بيص».
وسلمانيلا بومحمد المنطوقة بلكنة مليبارية منذ دخل محمد شفيع محمد رفيق عبد القادر (هذا هو الاسم الأول له من دون اسم الأب والجد) الخدمة عند بو محمد منذ سنوات هي نفسها السالمونيلا التابعة لمختبرات وأقسام الصحة لدى البلديات، وهي نفسها التي توقعنا في حيص بيص كلما أطلت علينا أخبارها أكثر من مرة في العام الواحد.
ومؤخراً أخبرتنا صحفنا أن شحنة دجاج يشتبه بوجود هذه السالمونيلا فيها قد رفضها أحد موانئنا، فعادت إلى ذاكرتنا فوراً، ولعل بوراشد وأبو محمد تذكرا الحكاية أيضاً، قصة مشابهة حدثت منذ سنوات حين رفض ميناء شحنة ملوثة ثم دخلت إلى البلاد عبر ميناء آخر!
هذه المرة لم يحدث شيء مماثل حتى الآن على الأقل لكن الرعب أصبح يهز أبداننا كلما سمعنا بوجود هذه السالمونيلا بين ظهرانينا والمتربصة بالطبع للدخول إلى أجسامنا مع الدجاج المشوي أو الصالونة أو المقلي، ذلك لأننا أصبحنا لا نملك إلا الصحة والستر، التي أسبغها الله علينا من كثرة دعائنا: «يا الله بالصحة والستر» والتي أصبحت السالمونيلا وغيرها من أنواع الجراثيم والفطريات والبكتريا والفيروسات تهددها حتى عن طريق الدجاج فماذا نفعل؟
السمك على حد نصيحة بوراشد لبو محمد زين، لكن الأطباء من ناحيتهم ينصحوننا في التلفزيون بتنويع الأكل وعليه فلا مناص من الفراخ!
… ونعود في كل مرة يظهر لنا شبح «سلمانيلا» إلى الدوائر المختصة ومنها الأمانة العامة للبلديات، لكي تزيح عن بطوننا الغمة ببيان يقول إن المشكلة انتهت واطمئنوا يا جماعة على بطونكم، والحق أن الأمانة العامة للبلديات لم تقصر هذه المرة، فبعد اجتماع لمجلس الأمانة العامة للبلديات يوم الثلاثاء الماضي قال بيان لها إن شحنات دجاج «دو» صالحة للاستهلاك، لكن بعد فقرتين وعلى طريقة «راح يكحلها عماها» يذكر البيان أنه تم بالفعل إعدام العديد من أنواع الدجاج من الماركات الأخرى التي ثبت تلوثها بميكروب السالمونيلا!
وشخصياً فقد وقعت في حيص بيص أيضاً مثل بوراشد وغيره نحن الذين تهمنا سلامة بطوننا على اعتبار أنها بيت الداء لأن البيان المذكور عنى لي أن الأنواع التي أعدمت إنما تم إلقاء القبض عليها في المحلات والبقالات والسوبر ماركت قبل جرها إلى المقصلة… فكيف لي أن أطمئن إلى الدجاجة بعد الآن حتى لو كانت من شقراوات فرنسا أو هولندا أو الدنمارك؟
وشخصياً أيضاً قررت أن أذهب هذا الصباح إلى سوق السمك، وأكثر بعد، قررت أن أرمي بالدجاج الذي أخبرتني المدام أمس أنه سيكون على مائدة الغداء اليوم في سلة الزبالة، وسوف أصر على ذلك، ومعي بو محمد وبوراشد حتى توافينا الأمانة العامة للبلديات ببيان ميكروبيولوجي يشفينا من الحيص والبيص!
من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.