عبد الحميد أحمد

بأية حال عدت يا عيد

لا يمر عيد من اعيادنا العربية الدينية والوطنية منها، والخاصة والعامة معاً، من دون ان يتردد على الشفاه وفي الكلمات المكتوبة وفي المجالس والخطب والمقالات وغيرها من وسائل التعبير اللغوي ، بيت الشعر (عيد بأية حال عدت يا عيد .. الخ) ، ما جعل هذا البيت الشعري اشهر بيت في العربية.

طبعاً هناك ابيات شعرية اخرى في شهرة بيت المتنبي السابق، في الوصف او الحكمة او الرثاء او غير ذلك من اغراض القصيد، لولا ان بيت العيد هذا ترجع شهرته لكثرة ترديده في المناسبات التي ذكرناها على ألسنة المفكرين المهمومين والعامة من الناس على السواء، منذ اطلقه المتنبي مهموماً ومثقلاً بالألم الى يومنا هذا، وربما الى غد، فمن يدري.

غير ان ذلك لا يعني ان هذا البيت قمة في الشعر او تاج على رأس العربية، فهناك ما يفوقه روعة في اللغة والمبنى والمعنى، بقدر ما يعني ان هموم الامة كثيرة وهي مستمرة بلا توقف، وان عند الناس ما يفيض عن طاقتها من المعاناة الخاصة والعامة معاً، فتجعل بيت شعر كالذي نقصد حاضراً في ذهنها وذاكرتها، من باب المواساة واشفاء الغليل ليس الا.

وهكذا فإن العربي في حال لم يتعرض لآلام وهموم، ورأى حال أمته على الدوام في خير ونعمة وسؤدد، ما ينعكس رفاهاً وسعادة على حاله الخاصة، لن يحتاج الى بيت شعر يتشفى عبره، ولكان بيت الشعر الشهير هذا الخاص بالعيد قد طواه النسيان وفي ذمة التاريخ، لولا ان الاناء بما فيه ينضح، واناء الأمة ينضح بالهموم التي تجعل بيتاً شعرياً خير معبر عنها حتى وهي من المفترض انها في عيد.

ونسأل بعد هذه المقدمة: ماذا يقول العربي اذن في عيده اليوم غير بيت الشعر نفسه؟ فهذا العربي منذ المتنبي لم ير ما يسعده الا في فترات قصيرة، ربما تراجع فيها بيت الشعر المذكور، اما اليوم فهو يحتاج الى هذا البيت اكثر مما مضى عليه، فما يشهده اليوم من مآس عامة وهموم شخصية تجعل بيت الشعر وحده غير كاف للفضفضة عما يعانيه.

ولن نذكر القارىء ببعض هذه الهموم العامة وهو في عيده خاصة انه كان يتمنى ان يرى اخوانه العراقيين في وضع افضل عن العام الماضي، ويرى الفلسطينيين قد نالوا حقوقهم اكثر، وهكذا يرى بقية العرب والمسلمين في حال اسعد عما مضى، ولولا ان هذا القارىء يكفيه من همومه الشخصية الصغيرة ما تغنيه عن اي هم آخر، فهو من همه الشخصي الى همه العام، يا قلبي لا تحزن.

مع ذلك فلا يمكن واليوم عيد ألا نقول للقارىء على العموم كل عام وانت بخير، وعساك من عواده، اذ لا يبقى أمامنا وأمامه سوى التمنيات، فالعيش ضيق لولا فسحة الأمل، وان كنت شخصياً افضل معايدته بعساك من عواده، اذ يكفي القارىء العربي اليوم ان يبقى حياً فلا يموت من الكمد، مقابل كل عام وانت بخير، فيما يمر عليه عام فلا يرى من خيره شيئاً، ليعود فيردد: عيد بأية حال عدت يا عيد…

عبد الحميد أحمد

التاريخ: 18 يناير 1999