الطقس يتدخل في القرارات السياسية، آخر ما أعلنه خبراء الأرصاد والأحوال الجوية وعلماء البيئة، وبما أن قمة (التعاون) تنعقد في أبوظبي غدا والطقس على أحسن ما يرام، فلا عواصف ولا رعود ولا أمطار ولا زوابع، ولا برد ولا حر، فان المراقب يتوقع قرارات على مستوى الطقس، أي قرارات حسنة وجيدة نسبة لأن الطقس حسن وجيد وصحو وعال العال .
غير أننا نبقى مع الطقس وخبرائه، فهؤلاء توصلوا الى ان انخفاض درجة الحرارة بمعدل عشر درجات عن اليوم السابق يمكن ان يرفع معدلات الأزمات القلبية بنسبة 13% وتكرار الأزمة في حال الاصابة الثانية بنسبة 38%، ويفسر أحد الخبراء ان تأثر الحزام المغناطيسي للأرض بالعواصف الشمسية يرفع عدد الداخلين الى المصحات العقلية، وان التغيرات المغناطيسية تلعب دوراً في الافرازات المسؤولة عن المزاج.
مثل ذلك من تأثيرات للعواصف والرياح، ما اكتشفه هؤلاء على الطلبة، فتركيز هؤلاء يتضاءل عند هبوب الرياح الشرقية مقابل ارتفاع حالات الانتحار وتحديداً في المناطق الساحلية بسبب هذه الرياح، كما هو الحال في بريطانيا خلال شهري نوفمبر ومارس، فيما هناك رياح في ألمانيا ترفع حوادث الطرق الى أكثر من 50% مقابل رياح اخرى تضرب لوس انجلوس فترفع خلالها حوادث القتل والاغتصاب بنسبة 64%.
طبعاً آثار الطقس على بعض الامراض معروفة كالروماتيزم والربو، لولا أن العلماء يرون ان ارتفاع شحنات الكهرباء في الجو يؤثر في التصرفات البشرية وفي النفس فيلونها، مقابل الآثار المعروفة للطقس على الاقتصاد مثلاً من الزراعة والمحاصيل والرعي الى أسعار النفط، لولا أنهم مرة اخرى يكتشفون ان استهلاك الخبز يزيد مع ارتفاع الحرارة بينما استهلاك القهوة يزيد في الشتاء، اضافة الى آثار عديدة لارتفاع الضغط الجوي في زيادة الحوادث.
وهناك معلومات وحقائق أخرى عن الطقس وتأثيراته الغريبة منها تأثيراته على العمليات الجراحية، الا اننا نكتفي بذلك ونعود الى تأثيرات الطقس على السياسة، فواضح ان الخبراء لن يحتاجوا الى جهد ولا الى جمع الأدلة ليكتشفوا هذا الارتباط، فنظرة واحدة على السياسة في الشرق الأوسط تكفي دليلاً.
وهكذا فان نتانياهو مثلاً أقر ووقع اتفاق واي بلانتيشن في مزرعة واي ريفر بأمريكا حيث الطقس البارد ساعد على تبريد أعصابه وخلايا دماغه، فيما هو الآن يرفض تطبيق الاتفاق وتنفيذه، لمجرد انه في فلسطين حيث الطقس المعتدل ساعده على تسخين هذه الخلايا مرة اخرى وأعاده الى طبيعته العدوانية.
ويمكننا أن نقيس من سياسات الشرق الأوسط عشرات الأدلة والأمثلة على ارتباط الطقس بالسياسة وتأثيره فيها، من سياسات صدام حسين الجامدة والضارة والمتقلبة في الوقت نفسه الى سياسات تركيا وقادتها الى غيرها من السياسات التي لا تعرف الاستقرار مقابل الاستقرار الذي تعرفه السياسات في أوروبا مثلاً، مع ان الطقس في أوروبا أكثر تقلباً وأكثر قسوة من البرد الشديد والثلوج والعواصف والرياح الى الفيضانات والأعاصير، ومع ذلك سياستهم معتدلة، ما يعني في النهاية ان نظريات الخبراء والعلماء حتى في مجال الطقس، يمكن ان تصح في كل مكان في العالم، باستثناء الشرق الأوسط، فهذا هو الاستثناء دائماً الذي يؤكد القاعدة.
عبد الحميد أحمد
التاريخ: 06 ديسمبر 1998