من الصور التي شاهدناها على أنها من آثار القصف الصاروخي لبغداد في عملية (ثعلب الصحراء) ، صورة المياه المتجمعة في أحد الأحياء لتوحي أن القصف دمر أنابيب مياه ، وقد تجمع حولها عراقيون وبعضهم راح يخوض فيها، مع أن الصورة التي نقلتها لنا الوكالات لا تصلح للتعبير عن القصف، فتجمع مياه في شوارع مدينة عربية امر اعتيادي، سواء كان لمياه الشرب بعد انفجار ماسورة، او لمياه المجاري، ونتيجة لتباطؤ اجراءات الصيانة.
وهكذا فتجمع مياه في مدينة لا يحتاج الى قصف امريكي بصواريخ كروز، وشخصيا كنت على وشك تصديق الصورة على أنها من آثار القصف البربري والوحشي، على حد وصف بعض الكتاب والقراء، حتى قرأت ان عددا من الصحفيين العراقيين الذين يسكنون حيا في الضاحية الغربية لبغداد قدموا شكوى من تراكم القاذورات والزبالة في شوارعهم وأرصفتهم الى مسؤول أمانة بغداد.
وفي الخبر ان احوال الصحفيين ازدادت سوءا اثناء انتقالهم من والى مساكنهم بسبب انسداد أنابيب تصريف المجاري التي أدت الى طفح المياه القذرة ومحاصرتها لمداخل البيوت وعلى امتداد شوارع حيهم، المسمى بحي الصحافيين.
وبما ان الشكوى لغير الله مذلة، خاصة في العراق، فان المسؤول في أمانة بغداد بعد شكوى الصحفيين عنده وتساؤلهم عن أسباب اهمال خدمة حيهم على الرغم من كثرة الشكاوى وما كتبوه في الصحف، اجابهم بأن هذا عقاب لهم لكي يتوقفوا عن وصف المسؤولين بالمرتشين، بعد ان اتهم فيما يبدو بعض الصحفيين مسؤولين في امانة بغداد بأنهم لا يقدمون الخدمات البلدية الا للأحياء التي يدفع سكانها افضل من غيرهم.
ويبدو ان الصحفيين الذين يعاقبهم هذا المسؤول العراقي باجبارهم على شم روائح كريهة ليل نهار وعلى قطع المياه الملوثة والخوض فيها بأرجلهم، والذين استطاعوا تسريب خبر عن أزمتهم عن طريق مصادر الى عمان لكي يأخذ طريقه للنشر قبيل عملية (ثعلب الصحراء) بأقل من اسبوع، وجدوا فرصة في العملية كي ينشروا هذه المرة صورة لمأساتهم مع مياه المجاري الطافحة، وعبر الوكالات العالمية، لولا ان التوقيت لم يسعفهم فيما يبدو، ففسرت الوكالات، او ربما الصحافة العربية وحدها التي ترجمت تعليق الصورة، على انها من آثار القصف الصاروخي.
طبعا لا توجد مصلحة مباشرة للقوات الامريكية في قصف أنابيب مياه او مجار، بدليل عدم قصفها للكهرباء، الا اذا كان هدفها إغراق الأهالي في بغداد بروائح كريهة تجعلهم يغادرون العاصمة مكرهين، فتستطيع القوات الأمريكية سهولة ضربها، وهو ما نستبعده، بدليل أن أحداً لم يغادر العاصمة حتى اليوم.
الأرجح من كل ذلك ان المسؤولين العراقيين وجدوا فرصة في المياه الطافحة التي يعاقب بها مسؤول أمانة بغداد زملاءنا الصحفيين على طول لسانهم، لاستخدامها في الدعاية المضادة، فتم تصويرها وتزويدها للصحفيين والمراسلين الأجانب على أنها من آثار القصف الهمجي الامبريالي الحلزوني الكلينتوني الغاشم، ما نخشى معه ان تعلن السلطات هناك قريبا موت عدة آلاف من العراقيين يتم اعدامهم لسبب أو لآخر، فتعلق دماؤهم في رقبة (ثعلب الصحراء) .
عبد الحميد أحمد
التاريخ: 23 ديسمبر 1998