سمير حلاق فخور بمهنته، ويقول عنها إنها فن وذوق قبل كل شيء، اتصل عاتباً لتشبيه الحلاقين بالأطباء ولكي يوضح موقف أصحاب الكار.
وشخصياً شعرت بالفخر أيضاً لعدة أسباب، فأولاً اكتشفت أن عندنا من العرب من لا يستعرّ ولا يستحي من مهنته ولا يحاول إخفاءها عكس الغالبية من الناس الذين يتظاهرون ويتصرفون في حياتهم بطرق تحاول إبعاد صفات مهنهم عنهم كأن تجد موظفاً بسيطاً يركب سيارة فخمة ولو كانت بالدين وعلى حساب راتبه كله لكي يفهم الناس إنه شخصية كبيرة، أو كأن ترى ميكانيكياً أو سمكرجياً أو كهربائياً، يرتدي حين يأتي الليل أفخم بدلة ويتأنق ليذهب للسهرة كأنه رجل أعمال كبير، وهكذا وإذا سألت أحدهم عن عمله، فإنه لا يتردد في الكذب وتلفيق القصص حول عمله وشخصيته المهمة.
وثانياً شعرت بالفخر لأن سمير عربي، وكنت أعتقد قبل اتصاله أن مهنة الحلاقين عندنا احتكرها الآسيويون والفلبينيون وغيرهم من الأجانب، وهذا يعني أن بإمكان الكثير من المهن والحرف، التي يشغلها أجانب الآن، أن يشغلها أخوة عرب من كافة البلدان ممن لهم خبرتهم الطويلة مثل سمير الذي يعمل بالحلاقة والتزيين منذ ٣٠ عاماً.
وثالثاً لأنني اكتشفت أن الحلاق لديه الوقت لكي يقرأ، على عكس ما كان شائعاً عنهم، خاصة فيما يتعلق بصفة الثرثرة التي لصقت بهم ودمغت مهنتهم، حتى قيل إن الحلاق هو الشخص الوحيد الذي يتكلم خلف ظهرك وتعرفه، لولا أن النساء زاحمتهم على هذه الموهبة وتفوقن عليهم في فن الكلام والثرثرة.
ونحن لا نتحدث اليوم عن مهنة الحلاقين، الذين لولاهم لكانت أشكالنا اليوم مضحكة، فهم الذين يضعون لمساتهم الفنية على شعورنا، فيعطون لرؤوسنا ووجوهنا حتى التي فيها أخطاء فنية أشكالاً مناسبة وجميلة، ولذلك حديث آخر، لكننا نتحدث عن سمير الذي يقرأ، وننقل احتجاجه على تشبيه الحلاقين بالأطباء إلى القراء، فهو يرى أن التشبيه ليس في محله لألف سبب وسبب، منها أنهم لا يغالون في الأسعار، لأن لكل قصة ولكل ستايل ثمنه المعروف، وإن كانوا يقبلون بالبقشيش والإكرامية زيادة عن الثمن، ثم إن الزبائن يدخلون إلى صالوناتهم ويخرجون أحياء، بل وسعداء ينظرون لأنفسهم في المرآة للحظات طويلة، ولذلك فإن سمير يرى أن الدكتور يرتدي قناعاً على وجهه لأنه إذا فشلت العملية لا يستطيع أهل المريض التعرف عليه، على عكس الحلاق الذي لا يخاف لأن كل عملياته مضمونة وناجحة.
وعند سمير مبررات أخرى عديدة يضيق بها المجال، ويرى أن أفضل تشبيه هو أنهم فنانون تشكيليون، وينتمون لهذه الفئة لأنها ترسم بالموس والمقص والمشط لوحات جميلة على رؤوس الناس.
وبما أن سمير حلاق، فقد تصور أنني وضعت رأسي بين يديه، فراح يروي ويقص وينتقل من حكاية لأخرى، منها اللطيف والمضحك، ومنها ما يعبر فيه عن خبرته الطويلة بالرؤوس وأنواعها.
ومن حكاياته أنه طلب مرة من زبون له مبلغ خمسين درهماً، فاحتج هذا قائلاً إن الثمن مرتفع، فكل ما على رأسه شعرتان ونصف لا تستحقان أن يدفع لهما هذا المبلغ، فأجابه سمير: هذا صحيح، ولذلك أطلب خمسين درهماً، لأنني قضيت ساعتين أفتش عن هاتين الشعرتين والنصف حتى وجدتهما.
وربما أعود مرة أو مرات إلى سوالف سمير وهي كثيرة لكنه عندما عدد أنواع الرؤوس ومسمياتها وأصناف القص التي تناسب كل رأس حسب خبرته، سألته عن نوع رأس شامير وأفضل قصة يعتقد أنها تناسبه، فضحك طويلاً ثم قال بلا تردد:
رأس شامير لا تحتاج إلى قصة، بل إلى قص!
من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.