تتمنى ابنتا حنان عشراوي أن تترك أمهما التدخين خلال عام ٩٢، لكن الشعب الفلسطيني يتمنى منها أكثر من ذلك، منذ تحولت إلى الشخصية الفلسطينية الأولى بعد انتزاعها الأضواء من القيادات التقليدية، هي وفيصل الحسيني.
وبالنسبة للتدخين، فإن المتوقع هو أن تكثر عشراوي من التدخين، فبدلاً من علبة كل يوم، ستضطر إلى استهلاك علبتين أو أكثر، وربما اضطرت أيضاً إلى تدخين البايب والسيجار وشيشة المعسل التي لم تصل إلى أمريكا بعد وذلك لكي تحافظ على هدوء أعصابها وضبط انفعالاتها خلال محادثات السلام، خاصة وهي تواجه كل يوم الرأي العام واستفزازات السلطات الإسرائيلية، إضافة بالطبع إلى دورها في وفد التفاوض، وهذا يقتضي الصبر الطويل وتحمل رزالات المفاوضين الإسرائيليين وألاعيبهم والعراقيل التي يتصنعونها في كل جولة محادثات.
ونجم عشراوي لمع منذ لقاءاتها والحسيني المبكرة مع جيمس بيكر، في الأراضي المحتلة، حين كان هذا الأخير يلف المنطقة ويتنقل كالفراشة لجلب الأعداء إلى طاولة المفاوضات، ثم انطلق صاروخ شهرتها الدولية مع مؤتمر مدريد، حتى غطى على الكثيرات من بنات جنسها المشتغلات في السياسة، وقد عبر هذا السطوع عن نفسه في مقالات وتقارير واحتفاء كبريات المجلات العالمية بشخصيتها القوية حتى رشحت عند الكثيرين كأبرز امرأة عام ٩١، مع أن ظهورها إلى الإعلام جاء متأخراً خلال العام الماضي.
في الوطن العربي إضافة لحالة الفخر التي خلقتها للنساء العربيات، خاصة الفلسطينيات، فإن أقلاماً عديدة رشحتها لقيادة العمل الفلسطيني برمته، وذهب بعضها إلى حد القول بضرورة رئاستها للدولة الفلسطينية في حال قيامها، فقد استطاعت، على حسب هذه الأقلام أن تنجز في فترة قصيرة ما لم يستطع رجال المنظمة إنجازه في عقود، وأن توصل قضية الشعب الفلسطيني وتمنحها المصداقية العالمية في غضون زمن قصير.
وفي الوقت الذي توجد فيه عشراوي في واشنطن حالياً، جاءتنا الأخبار أن ياسر عرفات يقوم بزيارة إلى سريلانكا وبما أن هذه لا دور سياسياً لها في المفاوضات ولا أهمية ولا ثقل لها، فإن زيارة «الختيار» كما يسمونه لها غريبة، ولا يمكن بأي حال أن تكون للسياحة والاستجمام.
لكن تصريحات لعشراوي في واشنطن قد تكشف السبب الحقيقي لهذه الزيارة، فقد قالت في لقاء مع المنظمة الوطنية للنساء الأمريكيات وهي تتحدث عن نضال النساء في الأراضي المحتلة من خلال الانتفاضة، إن لدينا برنامجاً ليس من ضمنه أن نعود إلى المطبخ.
ولابد أن عرفات سمع هذا الكلام فطار من فوره إلى سريلانكا للتعاقد مع طباخات للدولة الفلسطينية المقبلة، إذ لو نجحت عشراوي وبنات جنسها المناضلات في الأراضي المحتلة، في إقامة هذه الدولة، حيث فشل الرجال في إقامتها رغم أنهم ناضلوا لعشرات السنين في كل أنحاء العالم، فإنهن حتماً لن يعدن إلى المطبخ، وسيكون على الفلسطينيين بمن فيهم أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة ومجلسها المركزي ومجلسها الوطني وكافة مجالسها الأخرى، أن يرتدوا المريول وأن يحتلوا أماكنهم الجديدة داخل المطابخ.
ولكي لا يأتي يوم كهذا، تضيع فيه شوارب القبضايات بين الصحون والأكواب وروائح الطبيخ، فإن الحل في سريلانكا هذا إذا وافقت سريلانكا على تصدير الطباخات والشغالات إلى الدولة الفلسطينية، وإلا فلا نجاة من المطبخ والجلي والكنس وكافة أشكال النضال الجديدة والدنيا دوارة.
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.