عبد الحميد أحمد

أسباب مجهولة

جرت الحكاية التالية في أمريكا، فقد تقدمت فتاة إلى محكمة تطلب الطلاق من زوجها الذي لم يمض على زواجها منه سوى شهر. بحجة أن زوجها ساذج ولم يقبلها ولا مرة، فسأله القاضي: لماذا لا تقبل زوجتك؟

أجاب الشاب بأنه لا يعرف التقبيل ولم يمارسه من قبل، فما كان من القاضي إلا أن دعا الفتاة وقبلها، ثم قال للشاب: هكذا يكون التقبيل، هل فهمت؟ وقبل أن يجيب الشاب هتفت الفتاة: إنه بطيء الفهم أيها القاضي، ولابد من إعادة الشرح مرات عدة! وكل يوم تتك لنا الوكالات مئات الأخبار والطرائف والحكايات. ننشر منه ما نستطيع نشره، والباقي نرميه بعد الاطلاع عليه، أما عن الأخبار السياسية حول العالم وشؤونه فننشرها بالكامل، لأنه لو لم نفعل ذلك، لما وجدنا مادة نملأ بها صفحات الجريدة.

غير أننا نبحث عن أخبار الوطن العربي وتقاريره فنجدها قليلة مقارنة بأخبار العالم، وفي هذا القليل كثير مما لا يصلح للنشر، أو لا نجرؤ على نشره بالأحرى لأن قانون المطبوعات يعاقب عليه، وفيما تدور أخبار العالم المتعلقة بالأحداث السياسية والاقتصادية حول المستقبل والتحولات الحاصلة حالياً في السباق المحموم إلى هذا المستقبل، لا نجد شيئاً من هذا القبيل في الأخبار التي تتناول الوضع في عالمنا العربي، وحتى محاولة السعي إلى مواطئ قدم في هذا المستقبل.

لذلك، فإنني أشك في الحكاية التي بدأنا بها زاوية اليوم، فالأمريكي قد يكون ساذجاً في القبل والتقبيل وليس حمشاً ومقداماً مثلنا ولكنه ليس بطيء الفهم كما ادعت الفتاة أمام القاضي، فها هي أمريكا وهي تفكر بمستقبل وجودها وقوتها لا تترك ثغرة ولا ناحية إلا وتسعى إليها، لضمان دورها الكبير بين القوى الأخرى، وذلك على الرغم من أنها أصبحت الدولة الأعظم الوحيدة في العالم بعد مصرع الاتحاد السوفييتي، وكذا الأمر بالنسبة لأوروبا واليابان والصين ودول شرق آسيا، التي تركض جميعها بسياسييها ومفكريها ومخططيها في سباق محموم إلى رسم معالم العالم المقبل، وإلى إيجاد موقع قدم فيه من الآن عبر تحالفات من طراز جديد، وتكتلات من نوع آخر.

أما نحن، فينطبق علينا وصف بطيء الفهم بل الذي لا يريد أن يفهم، فأخبارنا لا علاقة لها بما يجري في العالم من أحداث كبيرة وتحولات مفاجئة متسارعة جرت ومازالت تجري منذ العام ٨٨، بانهيار الكتلة الشرقية وسقوط حائط برلين والوحدة الألمانية إلى الوحدة الأوروبية، إلى سقوط الاتحاد السوفييتي، إلى دخول اليابان كقوة سياسية هذه المرة مشاركة لأمريكا في رسم مصير البشر خلال القرن المقبل، وفيما عدا مفاوضاتنا مع إسرائيل، التي خططت لها أمريكا ووضعت لها كافة السيناريوهات والتي لا نعرف على أي خازوق سوف تنتهي بنا، لا نجد في كل أخبارنا جديداً يواكب العصر ومستجداته أو يسعى لفهمه والتعاطي معه. وبما أننا مستقيلون من العالم، وتركنا مصيرنا للأحداث تجري بها كيف تشاء، أو للآخرين يخططون لنا وصار بعضنا كومبارس جاهزاً للتصفيق وبعضنا الآخر متفرج لا يرى شيئاً، فلا يشبه ضياع حالنا إلا حال الرجل الفرنسي الذي دخل على طبيب نفسي وهو يرتدي ثياب نابليون ويضع يده اليمنى في جيب معطفه، كما كان يفعل الإمبراطور، فقال للطبيب: أريد مساعدتك العاجلة، فيرد عليه الطبيب: طبعاً أنت بحاجة لمساعدة، هذا واضح عليك، لكن أخبرني، ما هي قضيتك؟ أجاب الرجل: ليس عندي قضية، فبوصفي إمبراطوراً لفرنسا أتمتع بكل ما أريد من مال وقوة ومعجبين ومعجبات، لكن زوجتي جوزفين تعاني من مرض عقلي.

وبعد أن ابتسم الطبيب سأل: ما هي مشكلتها؟ أجاب الرجل: لأسباب مجهولة تعتقد نفسها مدام شوارتز وليست جوزفين زوجة الإمبراطور نابليون.

ونحن أيضاً ولأسباب مجهولة، لم يعد عندنا قضية فنحن ننام ونشرب ونأكل، لولا أن شعوبنا التي تعتقد نفسها على حق بحاجة إلى طبيب نفسي يشفيها من أوهامها.

من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.