عبد الحميد أحمد

شهادة خلو

كتبنا مرة عن الإيدز في هذه الزاوية، وطالبنا بضرورة مواجهته والإعلان عن وجوده وعدم الخشية والخوف من ذلك، ونعود اليوم للموضوع ذاته، بعد أن قرأنا على ذمة زميلنا محمد سلطان ثاني، أن فتاة فسخت خطوبتها، أو هي على وشك أن تفعل حين طلبت من خطيبها شهادة خلو من الإيدز، بعد أن علمت أن سلوكه الماضي كان ملوثاً، على طريقة الذين يجعلون من زيارة بانكوك، وغيرها من مواخير الكرة الأرضية هواية مفضلة لهم.

ونعلن اليوم تضامننا مع هذه الفتاة، فيما لو صحت روايتها، فالتضحية اليوم بحبيب القلب، خير من خسارة العمر غداً وربما خسارة الأولاد، الذين ينتقل إليهم المرض عن طريق الأم في حال إصابتها دون ذنب ولا جريرة إلا بخطأ لا يغتفر ارتكبه والدهم الدون جوان في لحظات ضعف إنسانية وعاطفية، أيام غزواته وفتوحاته البانكوكية، هذه الفتوحات التي فتحت عليه وعلى غيره مصاريع الإيدز.

ولأن فتاة من مجتمعنا، رفعت سماعة الهاتف، لتطلب من صحافي أن يكتب عن هذا الموضوع، فمعنى ذلك أن هناك قلقاً عند البعض من هذا المرض، وهو قلق إيجابي يدفع للحرص والحذر، ومعنى ذلك ثانياً، أن هناك من يفكر فيه ويشغله أمر هذا المرض إلى حد الرعب منه ومن نتائجه، ومعنى ذلك ثالثاً، أن هناك رغبة وشجاعة في التعامل معه ومواجهته.

ونتذكر أنه حينما ظهر المرض في العالم وتم الإعلان عنه لأول مرة منذ سنوات، أصاب الناس عندنا الذعر، ونتيجة لذلك تغيرت بعض السلوكيات الخاطئة، وصار الناس حريصين على صحتهم وسمعتهم، فبطل من كان زير نساء عن أفعاله، وتراجع آخرون عن ممارسات كانوا يعتبرونها عادية وصار الحلال هدفاً مطلوباً ومرغوباً فيه، حتى استبشرت جماهير العوانس عندنا خيراً، فأخيراً سيجدن ضالتهن في الزواج من شباب، ورجال البلد، الذين أفضل هواية عندهم، ممارسة طقوس الفحولة بعيداً عن الرقابة الاجتماعية. لكن المؤسف له، أن حالة التراخي والاسترخاء عادت فسادت، ومعها عادت كافة السلوكيات المشينة، مما يستدعي حقاً دق أجراس الخطر.

ولكي لا يفهم حديثنا خطأ، فإننا نوضح، أن الإصابة بالإيدز ليس مصدرها الممارسة الخاطئة، والشاذة فحسب، بل، على رأس أسبابه حقن المخدرات الملوثة، وعمليات نقل الدم، وانتقال الوباء عبر الجنين.

وما يدعونا لإثارة مثل هذا الموضوع مجدداً ليس حالة الاسترخاء والطمأنينة الخادعة، بل ما نسمعه عن حالات الإصابة بالإيدز في مجتمعنا، والتي يتناقل الناس أخبارها على الشفاه، فيما الدوائر الرسمية تلتزم الصمت والسكوت.

فقد سمعنا من مصادر طبية موثوقة، عن إصابة عدد من المواطنين، كما سمعنا عن اكتشاف حالات إيدز بين المقيمين، وبين الوافدين الزائرين، وكان آخر ما سمعناه، ضبط حالة لموظفة بإحدى الشركات، وضبط أخرى أجنبية بالصدفة مصابة بالمرض، وبالتحقيق معها، كشفت عن أشخاص لهم علاقة بها، فتبين أن أحدهم التقط منها المرض، كما سمعنا منذ أيام، عن سائق أرسله أربابه ليجلب شهادة الفحص الطبي له، وعند استلامه الشهادة عرف منها أنه مصاب بالإيدز، فهرب من كفيله المواطن واختفى مثل فص ملح وذاب.

وسنؤجل بقية الحديث إلى الغد، لكننا نختم اليوم بالقول، إننا جزء من هذا العالم، ولا يمكن أن يكون صحيحاً أن مجتمعنا المفتوح على مصراعيه يخلو من الإيدز، خاصة أن مدير منظمة الصحة العالمية للإيدز يؤكد أن كل يوم يمر يصاب فيه حوالي خمسة آلاف شخص في العالم بفيروس المرض، وهو رقم كما هو واضح مخيف ويثير القشعريرة، ويكفي لمنع آلاف من النساء والرجال في العالم كله، من الإقدام على الزواج قبل حصول الطرفين على شهادة خلو جسد بالكامل وليس خلو رجل فقط.

من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.