عبد الحميد أحمد

وزير لكل مواطن وحزب لكل مواطنة

ربما نجد ألف فارق واختلاف بين أي حكومة متحضرة في أي دولة من دول الغرب، وبين أي حكومة في العالم الثالث، لا تكون متحضرة إلا بمقدار تحضر بلدها.

غير أن أهم اختلاف يكمن في عدد أعضاء الحكومة وحكومة الظل أيضاً، فكلما تقدمت بلد قل عدد وزرائها وعدد أحزابها، وكلما تخلفت زاد هؤلاء وهؤلاء حتى على عدد السيارات في البلد.

فأمريكا مثلاً لا يوجد فيها غير حزبين أساسيين، وعدد أعضاء الوزارة لا يتعدى الخمسة عشر، فيما أي دولة من دولنا مثل لبنان أو اليمن يزيد فيهما الوزراء على 30، هذا بخلاف مئات الوكلاء، أما الأحزاب فلا يقل عددها عن الخمسين، والمقياس نفسه ينطبق على الدول الأوروبية، كألمانيا وبريطانيا وفرنسا والسويد وإسبانيا، حيث يقل عدد الوزراء في كل منها عن عشرين وزيراً بكثير، ولا يتجاوز عدد أحزاب كل منها خمسة في أحسن الأحوال، فيما أي دولة أخرى من دول العالم الثالث، لا تكاد تظهر على أطلس العالم من صغرها، لا تكون دولة إذا لم يكن وزراؤها بعدد شعر الرأس، وأحزابها بعدد مواطنيها، حتى لكأن فيها وزيراً لكل مواطن، وحزباً لكل مواطنة.

ويبقى أهم اختلاف وفارق بين النموذجين، هو أن الحكومات والأحزاب في الدول الغربية في خدمة الشعب، فيما الشعوب في العالم الثالث في خدمة الحكومات والأحزاب.

فخدمة الشعب عند الأولى تبدأ من المسائل السياسية والمصالح الاقتصادية، ولا تتوقف عند خدمة قطط وكلاب مواطنيها، فبريطانيا حركت أسطولها على وجه السرعة لاستعادة جزر الفوكلاند التي تبعد آلاف الأميال عن أراضيها، فيما أي دولة من دولنا لا تحرك دورية شرطة لفض ازدحام سير، أو عرقلة مرور، في شارع من شوارعها، بينما إزالة الحفر والمطبات من هذه الشوارع تعد حلماً صعب المنال، من أحلام المواطنين الذين يتمنى الواحد منهم أن يسير مرة في طريق فلا يلتوي كاحله، أو يصاب بانزلاق غضروفي وكسر.

وما دمنا في بريطانيا، فنذكر أن جون میجور صادق قبل توليه الحكم على ميثاق حق المواطن، وبموجبه بادرت كل المؤسسات إلى تنفيذه كل حسب اختصاصها، حتى جاء مؤخراً دور مصلحة الأرصاد الجوية، التي رأت أن من حق المواطن أن يتلقى معلومات صحيحة ودقيقة عن حالة الطقس، وبناء عليه سمحت المصلحة لكل مذيع نشرة الأحوال الجوية بارتكاب ستة أخطاء فقط في الشهر، وزيادة على ذلك تعرضه للعقاب والمساءلة، فبرامج المواطنين وأمزجتهم وثيابهم أيضاً ليست لعبة ولا بعزقة.

عندنا، أي مذيعة أخبار أو برامج أو ربط، تلعن في اليوم الواحد سنسفيل سيبويه والجاحظ والمتنبي وأحمد شوقي، وتثير أعصاب آلاف المدرسين من معلمي اللغة العربية، دون أن يجدوا من يعوضهم عن حبوب الفاليوم والمهدئات، فهؤلاء لا حق لهم حتى على تلاميذهم فيما المذيعة تستمر في طاحونتها اللغوية وتجد على عبقريتها الترقية والنجومية، بدلاً من إعادتها إلى صنعتها القديمة، كبائعة في بوتيك، أو حلاقة في صالون نسائي.

ونعود لبريطانيا، التي تسهر على راحة مواطنيها، فنقرأ مؤخراً أن الحكومة أصدرت دليلاً وإرشادات لمعالجة أزمة الضوضاء والنباح الذي تحدثه الكلاب، وضعه خبراء ومتخصصون في علم نفس واجتماع وتربية الكلاب البيتية، فمن يوفر الراحة للمواطنين ولو من إزعاج كلابهم إذا لم تفعل الحكومة ذلك؟

ثم إن رجال سكوتلانديارد يبحثون حالياً على قاتل القطتين «بلو» و«هولي»، فإلقاء القبض على الجاني وتقديمه للمحاكمة هو حماية لممتلكات المواطنين، ولو كانت قططاً، فيما أي مواطن في العالم الثالث يموت من إزعاج الإذاعات ومطربيها، ولا يجد من ينصفه ويأخذ له بحق طبلة أذنه المخرومة.

لذلك، فلا يتوقع أحد أي تقدم من أي نوع في العالم الثالث، ما لم يأخذ المواطن فيه أولاً بحقه كاملاً وبأثر رجعي أيضاً، من آثار التصريحات النارية والخطب الطنانة والبيانات الرنانة عن رفاهية الشعب وحقوق المواطن وكرامة الوطن. 3/6/1993

وزير لكل مواطن وحزب لكل مواطنة 

 عبد الحميد أحمد

جيوب أنفية لإحلال السلام