ما دام هناك اليوم في شرق العالم وغربه، زحف نسائي ناعم لاحتلال مواقع الرجل في كل ميدان، بما في
ذلك السياسة والاقتصاد والتجارة، فإننا بالمقابل وبحكم انتمائنا ووحدة مصيرنا المشترك، نؤيد أي زحف رجالي خشن للسيطرة على عروش النساء، من عروش مسابقات الجمال، وحتى الولادة والحمل والخلفة إن أمكن.
فإذا احتلت سيدة كرسي الحكم في تركيا، على الرغم من كل الشوارب الكثيفة المحيطة بها، ومثلها علت سيدة أخرى في كندا، رغم أن الكنديين بدون شوارب، إلا أن لهم ما يثبت أنهم رجال، فإننا نقف بكل عزيمة وإصرار خلف الاسترالي داميان تايلور، لمنافسة نساء استراليا على لقب ملكة الجمال، وإن كان هذا بلا خصر ولا أثداء ولا أرداف ولا شفايف مملوءة، لكي ينتصر لنا على النساء في أهم سلاح عندهن، يشهرنه كل حين علينا وهو الجمال.
بالمقابل، نتوقع أن تزداد معارك القرن المقبل هذه ضراوة وسخونة، فيكون عندنا في العالم بطلات على الرجال في كمال الأجسام وفي المصارعة الحرة وفي الملاكمة فيكون محمد علي كلاي ومايك تايسون وهوجان مجرد ذكرى رجالية، نبكي عليها، ونتفاخر بها أمام حريمنا، يوم تكون مثل هذه الذكرى وهذا الفخر لا قيمة له عندهن، وهن يعيرننا بفيوليتا تشامورا وكيم كامبل وجيلر وماري روبنسون وخالدة ضياء، ومن قبلهن بمارجريت تاتشر وانديرا غاندي وادیث کریسون وبنازیر بوتو، وغيرهن من النساء القويات، سواء كن في الحكم أم في حلبات المصارعة والضرب والخبط.
لذلك، فإن داميان الاسترالي، الذي فاز مؤخراً على نساء بلاده في مسابقة ملكة جمال شمس الشتاء، وينوي منافستهن على لقب ملكة جمال استراليا، يستحق من كل رجل في العالم المؤازرة والمساندة والتشجيع، لكي يحقق لهم شيئاً من توازن القوى، فيكون لهم عين على النساء، على اعتبار أنه تفوق عليهن في أهم ما عندهن، وبذلك تستمر معركة الرجال والحريم في حالة تكافؤ، فلا تفوز علينا النساء في كل شيء، ما سيؤدي بنا إلى العودة إلى المطابخ وفرم البصل والثوم.
وكان القرن الحالي، هو قرن الرجال بلا منازع، الذين لم يكتفوا بالسيادة في الحكم والوزارات والأعمال، بل دخل في منافسته للنساء عقر دورهن، وبرز منهم أمهر الطباخين وأشهر مصممي الأزياء النسائية، ولم يترك هؤلاء الرجال مجالاً للنساء يبدعن من خلاله ويبرزن مواهبهن وقدراتهن إلا في أفلام الدعايات التلفزيونية وفي مسابقات الجمال ومسابقات الشعر ومسابقات الأولمبياد (على جنسهن طبعاً وليس على الرجال).
غير أن النساء، وانتقاماً لكرامتهن المهدورة ولطاقتهن التي يستهزئ بها الرجل، بدأن المعركة مبكراً، ابتداء ربما من النصف الثاني من هذا القرن، فصار منهن سواقات تاكسي وتريلات وشاحنات وکرينات في مواقع العمل، إضافة إلى حمالات أمتعة في المطارات، إلى جانب كونهن بالطبع ممرضات وطبيبات ومهندسات ومعلمات وصحفيات، ثم تحولن لاحقاً إلى طيارات ورائدات فضاء، وعضوات في البرلمانات ورؤساء حكومات وأحزاب وعشائر ومجندات في الجيوش، وعندنا في الوطن العربي زعيمات عصابات ومهربات مخدرات وحشيش، وعما قريب سنجدهن إذا استمر زحفهن السريع هذا، لاعبات كرة قدم، مما يهدد مستقبل مارادونا وكاريجا وناصر خميس عندنا.
وربما سارع رجال منا، مع ازدياد هذا الخطر الزاحف، إلى إنشاء اتحاد عالمي للرجل، على غرار الاتحاد العالمي للمرأة، ليأخذ من النساء حقوقهم السليبة، فيتحول الصراع في القرن المقبل، من صراع وحروب دول مع دول إلى صراع كوني بين الرجل والمرأة عبر اتحادهما، فتجد الأمم المتحدة بموظفيها وأمينها العام قضية أخرى ألذ تشغلها عن البوسنة والهرسك وكمبوديا والصومال، وبقية المشكلات الأخرى، فالقصف بالطناجر أهون من الصواريخ، ورش الملابس بالروج وأحمر الشفاه أفضل من الدم المسفوح في الشوارع، والردح على كل المستويات والموجات أرحم من خطب المؤتمرات وبياناتها الختامية. 20/6/1993
الطناجر أهون من الصواريخ – عبد الحميد أحمد