عبد الحميد أحمد

جاء اليورو

كثير من الاقتصاد قليل من السياسة، ربما كان مبدأ العمل خلال عقد التسعينات في اوروبا وامريكا واليابان ودول العالم باستثناء الدول العربية التي تركب الحصان مقلوبا وبشعار كثير من السياسة قليل من الاقتصاد، وفي احيان كثيرة من دون اقتصاد ، والنتيجة ان العالم من حولنا يدشن القرن الجديد بانجازات عملاقة وبقوة واقتدار على الثبات والاستمرار، فيما العالم العربي يتقهقر الى الوراء، الى بدايات القرن العشرين وربما اسوأ.

وبما ان السياسة نفسها التي أكلت كل الميزانيات والاهتمامات والشعارات لم تنجز شيئا يذكر للمواطن العربي، وها هي تتركه عاريا في آخر رياح القرن العشرين ، فالافضل تركها لكي لانذكر القارىء مرة اخرى بسوءاتها وسوء نتائجها الى بعض أبرز ما عند غيرنا، فهؤلاء ينفعون مرآة عند العاقل لكي يرى فيها عوراته.

وهكذا في مرآة اوروبا والغرب عموما يمكننا ان نرى كيف يختتم العالم القرن لكي يستقبل قرنا جديدا، من العام الماضي 98 وتحولاته الجبارة التي تؤسس لمستقبل قوى مقبلة، الله وحده يعلم كم سيكون مدار تأثيرها وهيمنتها على الاقتصاد العالمي، وبالتالي على بقية الاصعدة، باعتبار ان الاقتصاد هو بوابة العبور الرئيسية الى القوة الفعلية لا السياسة ولا الجيوش، فتلك من مخلفات الماضي، والتي للاسف لايزال اكثرنا يتمسك بها.

وفي هذه المرآة رأينا امس فقط استقبال اوروبا عامها الجديد 99 بعملة جديدة موحدة، هي رمز المستقبل القوي للقارة ، التي تنفض عن نفسها غبار القرن الماضي وتتخلى في واحدة من اكبر التحديات السياسية والاقتصادية معا لكل دولها عن مجموعة من عملاتها الوطنية، رمز السيادة والاستقلال ، لصالح رمز آخر، هو اليورو، لكي يكون ندا للدولار في القرن المقبل، بعد ان استأثر هذا بالقرن الماضي كله، كعملة للادخار والاحتياطي، فسيطر على الاقتصاد العالمي.

واذا كان العام 98 هو عام اليورو بحق، حتى واطلاق العملة يتم في ،99 فانه في السياق نفسه هو عام التحولات الاقتصادية الكبيرة، بدءا من تدهور اسعار النفط وما سوف يجر من آثار سيئة على اقتصاديات دول كثيرة خلال الاعوام المقبلة وليس انتهاء بالاندماجات الضخمة التي شهدها العام، حتى صح تسميته بعام الاندماجات.

هذه الاندماجات التي تمت بين بعض ابرز الشركات الغربية واكبرها، هي الوجه الآخر للاستعداد للمستقبل، وهو في الوقت نفسه جوهر التحول المطلوب لمواجهة ما يمكن ان يكون تحديات فعلية، لاتقبل في هذا المستقبل بوجود الضعيف في السوق، اي في الاقتصاد العالمي، فيكون اندماج العملات الاوروبية في اليورو، واندماج الشركات العملاقة، وجهين لعملة واحدة في الواقع.

وعليه فنتيجة هذه الاندماجات التي كان اشهرها خلال العام اندماج اكسون مع موبيل وبريتش بتروليوم مع اموكو وديملر مع كرايسلر وترافلرز جروب مع سيتي كورب ودويتش بنك مع بانكرز تراست و AT & T مع TCI وغيرها من الشركات الامريكية والاوروبية، اكثر من 316 مليار دولار، تمثل في اقل تقدير مجموع ميزانيات الدول العربية كلها في عشر سنوات مقبلة، ومع ذلك فهذه الدول تستمر في امتطاء الحصان مقلوبا على مشارف القرن الحادي والعشرين، من دون ان ينفع نداء: صح النوم ياعرب.

عبد الحميد أحمد

التاريخ: 02 يناير 1999