في كلمته التي وجهها الى شعب الامارات بمناسبة العيد الوطني، يرسم صاحب السمو رئيس الدولة اهم ملامح العمل الوطني على أبواب القرن الجديد، وهو يدعو شعبه، بالاضافة الى المحافظة على الانجازات، الى تحمل المسئوليات بالمشاركة اكثر في الشئون العامة، والى تصحيح الخلل في التركيبة السكانية بتوطين الوظائف والاهتمام بتطوير التعليم، وغير ذلك من سياسات عامة تخللت كلمته السامية ندعو المسئولين كلا في مجاله الى العمل بها فورا، فهي برنامج عمل وطني للمرحلة المقبلة.
واتوقف من كلمة رئيس الدولة عند امرين: الاول مطالبته ابناء الدولة بالمساهمة في الشأن العام، والثاني تحميل الشباب مسئولية حماية الانجازات، فأعتبر الاول تحولا جذريا في السياسات العامة للدولة التي عادة ما يرسي دعائمها صاحب السمو رئيس الدولة، باتجاه اعتماد مبدأ الاشتراك في الرأي ومناقشة الشئون العامة، ما يجعل الباب مفتوحا على مصراعيه من دون خوف ولا وجل امام الرأي والرأي الآخر.
ان رئيس الدولة يدعو بصريح العبارة الى هذا المبدأ حين يقول: اننا نتطلع الى مساهمة أوسع وأعمق من قبل ابناء هذا الوطن في الشئون العامة، فالدولة لا تعني شيئا من دونهم.
ويضيف بصورة أوضح: ان من الطبيعي والمطلوب ان نرى شعبنا يتفاعل بايجابية مع محيطه السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ويناقش افرازاته بشفافية وموضوعية، وصولا الى النتائج التي نتوخاها جميعا في بناء مجتمع متماسك.
ان كلمات مضيئة من نوع (مساهمة اوسع واعمق في الشئون العامة) و(التفاعل بايجابية مع المحيط السياسي والاقتصادي والاجتماعي) و(مناقشة افرازات هذا المحيط بشفافية وموضوعية) تدخل قاموس العمل الوطني لاول مرة بهذا المقدار من الوضوح والصراحة، وعلى لسان اعلى سلطة في البلاد، هو رئيس الدولة، وعلى شكل دعوة ومطالبة من سموه لابنائه المواطنين لاعتماد هذا النهج الجديد في المشاركة وابداء الرأي.
وهكذا فصاحب السمو رئيس الدولة لا يريد مواطنا خاملا متفرجا بل يريد مواطنا متفاعلا مع قضاياه واحداث وطنه وعصره، وهو لا يريد مواطنا خائفا ومترددا بل يريد مواطنا شجاعا يبدي الرأي فيما يجري من حوله، وذلك باعتماد الموضوعية والشفافية، اي الصراحة والمكاشفة وعدم التستر والهروب خلف واجهات او حجج، واذا كانت الدعوة عامة لكافة ابناء الوطن، فإن المعنيين بها اكثر هم المسئولون من وزراء ومديرين وغيرهم من العاملين في الشأن العام، ممن عليهم اعتماد مبدأ الشفافية مع الناس والاعتراف بالاخطاء كلما تواجدت، والمجاهرة بالمشكلات كلما طرأت، لا الاختباء عنها ودفن الرؤوس في الرمال خوفا او خجلا.
ثم ان كلمات مضيئة كالتي يطالبنا بها رئيس الدولة، تعنينا نحن العاملين في حقل الاعلام ربما اكثر مما تعني غيرنا، ذلك لان مناقشة الشئون العامة وافرازات محيطنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي هي من صميم عملنا الذي لا يستقيم من دون هامش معقول من الحرية، هي نفسها الحرية التي من المفترض ان يتمتع بها كل مواطن، فلا يتردد في بحث الشأن العام، على حسب دعوة رئيس الدولة في كلمته السامية، فيحسم بذلك صاحب السمو رئيس الدولة المخاوف التي تلازم عادة اطلاق حرية التعبير والرأي، بإعطائها صفة الالزام والواجب الوطني على كل مواطن باختلاف مواقعه ومجالات عمله.
اما الامر الثاني فيتعلق بتحميل سموه لابنائه المواطنين، خاصة الشباب منهم، مسئولية حماية الانجازات العملاقة وتطويرها، (فما وفرناه لهم لن يدوم إلا بجهودهم وعقولهم وسواعدهم) ، فتكون رسالة سموه اليهم صريحة وواضحة، خاصة ان هذه الرسالة جاءت في كلمة سموه مباشرة بعد دعوته لهم الى المساهمة الواسعة في شئون الدولة، فتحمل بذلك من الدلالات الكثير، ليس إلا ابرزها ان الذي يستطيع ان يتحمل المسئوليات بكفاءة عالية واخلاص كبير هو من يتمتع بحق المشاركة في الشأن العام وابداء الرأي في محيطه السياسي والاجتماعي، فيكون رئيس الدولة بذلك يوفر لابنائه العنصر الاساسي لتحمل المسئوليات ألا وهو عنصر المشاركة، فالمعزول عن الشأن العام لن يستطيع ان يتحمل مسئولية هو بعيد عنها وهي ليست في مجال همومه.
عبدالحميد الحميد
التاريخ: 04 ديسمبر 1999