عبد الحميد أحمد

دعم مؤسسات الدولة وتطويرها

عيدنا الوطني مناسبة عزيزة لالتقاط الانفاس والتوقف عند محطتي الانجازات والطموحات، فما بين المحطتين قطعت مسيرة الدولة الاتحادية شوطا هو بالمقاييس الدولية المتعارف عليها يدخل في مجال الاعجاز، نراه في حجم الانجازات الماثلة للعيان، وهو في الوقت نفسه الشوط الذي اطلقته الطموحات، بما تحمل من ارادة بناء وعمل وتقدم منذ اللحظة الاولى لاعلان قيام الدولة .

وبما ان الانجازات لا تتوقف ولا حدود لها، وبما ان الطموحات لا تتوقف ولا حدود لها ايضا، فان احتفالنا بالعيد الوطني هذا العام ونحن نقف على اعتاب الالفية الثالثة وندخل مع العالم قرنا جديدا تنبىء مقدماته عن تغيرات مذهلة في الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا بما تجره من تأثيرات ليس هناك من هو في منأى عنها، فان النظر في الطموحات هو ما يفرض نفسه علينا، لا النظر في المنجزات وحدها، ذلك لان الطموحات تحتاج إلى جانب الارادة، إلى ادوات عمل واساليب تنفيذ ورؤية تقوم على الواقع والامكانيات.

فاذا كانت ادواتنا السابقة واساليبنا ورؤانا قد اوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم، فان تحديث هذه الادوات وتفعيل هذه الاساليب وتطوير هذه الرؤى، هو اقل المطلوب منا في ظل اعترافنا بحجم المتغيرات المقبلة علينا، من التي لا تصلح معها اساليب عمل قديمة ولا ادوات تجاوزها واقعنا نفسه، وليس واقع العالم فحسب، وذلك لا لكي نكون في مستوى المتغيرات ونواجه تحدياتها وتأثيراتها فقط، بل لكي نستطيع ان نحافظ على ما انجزناه، فلا يبدأ في التآكل فالانهيار. وعليه فان مؤتمرا وطنيا شاملا، مفتوحا أو مغلقا لا فرق، يفجر النقاشات والحوارات والتطلعات والتحديات معا، مطلوب عقده في اي وقت، وبحيث يخلص إلى قرارات وتصورات تشكل معالم سياستنا في المرحلة المقبلة، على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبحضور فعاليات ومسئولين من كافة هذه القطاعات مع خبراء محليين ومفكرين ومهتمين بالشأن العام.

ان مؤتمرا وطنيا مثل هذا يمكنه ان يجيب على عدد من الاسئلة الصعبة تبدأ من سؤال عن مدى صلاحية القوانين والانظمة والتشريعات للمرحلة المقبلة وتمر على اسئلة عن قدرة مؤسساتنا العامة والخاصة على التأقلم مع المتغيرات ومواجهة استحقاقاتها ولا تنتهي بأسئلة حول اوضاعنا الاجتماعية والثقافية والسياسات المطلوب رسمها لكي نحقن بها حياتنا العامة ونزودها بفيتامينات المنعة والقوة والبقاء والصحة والعافية، بدءاً من تكريس وضع دولة المؤسسات، وهكذا.

وبما اننا نعيش فعلا في اجواء فيها الكثير من الشفافية والمصارحة والحرية واجواء تعبر على مستويات عالية من المسئولية عن رغبات في التغيير وعن قلق على ما نحن فيه من جمود، فان مؤتمرا مثل الذي نقترح ليس الا تحصيل حاصل وتجميعا لافكار التطوير ومواجهة التحديات والمحافظة على الانجازات، ما نعتبر امر تنظيمه وانعقاده سهلا، فلا يحتاج الا لمن يعلق الجرس.

وهكذا فانه من دون مواجهة هذه الاسئلة والاتفاق على اجابات لها تحدد معالم طريقنا المقبل، ما نعتبره ضروريا لالتقاط الانفاس فالتبصر والاتفاق على ضرورة التغيير نحو مزيد من بناء الدولة وتطويرها وتدعيم اسس وجودها وقوتها، يصبح واجباً وطنياً علينا الاستعداد والتحضير له.

عبد الحميد أحمد

التاريخ: 02 ديسمبر 1999