عبد الحميد أحمد

ردم حفرة

اذا كانت هناك حفرة في الطريق في اي بلد من العالم الثالث، فتلك مشكلة عويصة لان حلها يستغرق سنوات، ويتطلب شكاوى ومراسلات ولجان معاينة وميزانيات واجتماعات وتوصيات وقرارات ، ثم عندما يبدأ التنفيذ فيمر بمراحل لا تقل عن مراحل اتخاذ القرار، تكون الحفرة عندها قد اتسعت وتحولت إلى بئر وسط الطريق تبتلع الناس أو إلى بحيرة تبتلع السيارات، فيتوقف ردمها مجددا، لان القرار الذي اتخذ بالاجماع من قبل المجلس البلدي كان خاصا بحفرة أصغر، ما يلزم للحفرة الجديدة قرارا آخر، خاصة ان تكاليف ازالتها اكبر من تكاليف السابقة.

لافضل طبعا في مثل هذه الحالة، ان يقوم الاهالي بأنفسهم بردم الحفرة واصلاح الطريق دون انتظار الحكومة لكي تقوم بذلك، وهكذا فقد اجتمع اهالي قرية من هذا العالم الثالث (احتفظ باسمها لعدم التجريح) للاتفاق على ردم حفرة تسببت في حوادث مميتة في القرية، غير انهم اختلفوا على طريقة ردم الحفرة، فقرروا احالة الأمر إلى حكماء القرية.

بعد الاجتماع قال الحكيم الاول: أفضل حل هو ان نجلب سيارة اسعاف تكون مستعدة دائما بالقرب من الحفرة، بحيث تقوم باسعاف من يقع فيها وتنقله إلى المستشفى على الفور، فقال الثاني: لكن المشكلة فيما لو وقع في الحفرة اكثر من شخص، سيارة الاسعاف لن تنقل عددا كبيرا، لذلك من الافضل ان نبني مستشفى بالقرب من الحفرة، فقال الثالث: يا جماعة، ما هذا الغباء، الحل ابسط من ذلك بكثير، ندفن الحفرة، ثم نحفرها بالقرب من مستشفى القرية!

طبعا هذا العالم الثالث، الذي منه عشرات ومئات من قرانا ومدننا العربية، يوجع القلب، لذلك من الافضل عدم التفكير فيه كثيرا، لولا ان حفرة هذا العالم الشهيرة تذكر بنماذج أخرى من بشر هذا العالم، فهناك مثلا طالب شاهدوه يذاكر في حفرة، فلما سألوه عن السبب اجاب: لانه يريد أن يفكر بعمق، مقابل آخر يذاكر في الظلام من دون نور، فعرفوا من اجابته انه طالب ليلي (أي منازل)، فيما الافضل منهما، طالب ثالث يذاكر على السطوح، لانه ببساطة طالب دراسات عليا.

وبما اننا نتمنى لهؤلاء وغيرهم من آلاف الطلبة العرب الذين يقدمون امتحانات الثانوية والجامعة هذه الايام كل النجاح لكي ينخرطوا في خدمة اوطانهم وشعوبهم بما في ذلك المساهمة في القضاء على حفر الشوارع والطرقات، فاننا ننتقل إلى غيرهم من العرب الذين يطمحون إلى الصدارة بالانتقال الفوري إلى الحضارة، ومنهم الذي أراد التمدن فشاهدوه في لندن يشرب القهوة بمصاص، أو العربية التي شاهدوها في نيس بفرنسا تأكل التمر بالشوكة، أو العجوز منهم التي أرادت ان تتصابى فألبسوها كعبا عاليا صرخت على اثرها: نزلوني نزلوني. هذه العجوز التي طلبت النزول فورا من الكعب العالي،

ولم تركب رأسها أعقل من غيرها، لان سقوطها من علو قد يكسر لها رقبة أو عظمة حوض أو ساق، وكل هذه طبعا أهم وأثمن من مجرد طقم أسنان صناعية أو ضرس أو ضرسين سيراميك يمكن ان تكسرهما العجوز التي تأكل التمر بالشوكة، ما نتمنى لأبناء العالم الثالث كلهم العقل والحكمة والعلم والمعرفة، فلا تغلبهم حفرة في طريق، ولا تكسر لهم ضرسا أو ساقا أو رأسا، فالسلامة من قبل ومن بعد نعمة.

وما دمنا وصلنا إلى السلامة فنختم بهذه الطرفة التي تذكر بالوضع في العالم الثالث كله، فقد شاهد شاب في حديقة عامة رجلا عجوزا يستريح على مقعد والاعياء ظاهر عليه، فسأله ان كان بامكانه تقديم خدمة له، فرد الرجل بثقة: كلا، فكل شيء عندي رائع، لقد تزوجت للتو من شابة جميلة في العشرين من عمرها ومطيعة،

واولادي كلهم احبوها وعندنا منزل جميل فيه حديقة وحوض سباحة …. و…، فقاطعه الشاب بحيرة: اذن لماذا انت على هذه الحال؟ رد العجوز: المشكلة اني لم اعد استطيع ان اتذكر أين أسكن!

عبد الحميد أحمد
التاريخ: 12 يونيو 1999