انتهينا أمس الى أن الذي لم تربه أمه تربه أمريكا, ومن هؤلاء اليوم سلوبودان ميلوسيفيتش رئيس يوغسلافيا, ذلك لأن أمريكا لم تسم ماما أمريكا من قليل, فهي ماما كبيرة حقاً, تجيد التأديب بالشلوت والصواريخ, فننتظر لنرى نتائج حملتها على الصرب, هل تثمر فعلا عن تربية سلوبودان وتأديبه وتلقينه الدرس الذي يستحق, أم يستمر هذا في العصيان وقلة الأدب ؟ الأرجح ان تنجح امريكا في تأديب سلوبودان, حتى لو لم يتزحزح هذا قيد أنملة عن مواقفه وعن شروره, فعلى الأقل سوف يعرف ان هناك من هو أقوى منه, وأن الغطرسة لن تفيد لأن هناك من يستطيع في أي وقت أن يكسر رأسه, فلا يتبجح بالقوة والسلطان, كما فعلت أمريكا مع آخرين كسرت رؤوسهم فعلا, حتى مع عدم نجاحها الكامل في القضاء علىهم وبعض هؤلاء كما يعرف القارئ عندنا في الوطن العربي.
وبما ان الطيور على أشكالها تقع, فان الذين يعرفون ويعترفون أنهم على شاكلة الطاغية اليوغسلافي, تباكوا على شن حملات الناتو علي الصرب, وذهبت صحيفة عراقية الى حد ان وصفت ان ميلوسيفيتش يقتبس سياسات صدام في مواجهته للولايات المتحدة, وان منطق القوة الذي تستخدمه أمريكا مع الصرب سينتهي بهزيمة منكرة, فلا نملك سوى ان نقول: يا سبحان الله جامع القلوب المتشابهة حقاً.
ولا نحتاج الى صحيفة عراقية تؤكد لنا الهزيمة المنكرة التي تنتظر أمريكا في يوغسلافيا, ذلك لأن هذه الصحيفة واخواتها ومعها النظام السياسي والاعلامي كله, سبق ان هزمت الولايات المتحدة هزائم نكراء عدة مرات, من حرب الخليج الثانية مروراً بكل الحملات الاخرى وانتهاء بعملية (ثعلب الصحراء) , فالنصر باستمرار كان حليفها حتى وبلدها تضربه القوات الامريكية وتدمره فلا تملك أية قوة للرد, ذلك لأن العمى السياسي يحول الهزيمة الى نصر مبين.
بالمقابل فان سلوبودان ميلوسيفيتش نفسه, خاطب قواته بعد الضربات الجوية الأطلسية الأخيرة وهو يهنئها بالنصر ويشيد بتصديها لهذه الضربات, فيذكرنا مرة أخرى بأمثاله من العرب وغيرهم, الذين خاطبوا قواتهم وجنودهم وهنأوهم بالانتصارات الكبيرة, في كل مرة تعود هذه القوات مدحورة أو نصفها يدفن تحت التراب من آثار القصف والضرب, فيكون ميلوسيفيتش (شناً) صربياً صادف (طبقة) العربي.
ويبقى ما يجمع الطغاة من غطرسة وجهل واعتداد فارغ بالنفس وتسلط مفهوماً, مقابل مانراه في زعماء يتحدثون عن حقوق الانسان, ثم يرفعون عقيرتهم لادانة هجمات الاطلسي على يوغسلافيا, لا حباً فيها, بل لمجرد أن عداءهم لأمريكا يدفعهم لمثل هذا الموقف, من دون ان يقدموا البديل الممكن الذي يستطيع ان يجعل طاغية كميلوسيفيتش يقر بحقوق الألبان المسلمين في كوسوفو ويوقف المذابح الجماعية ضدهم. ولن نذكر مثل هؤلاء الزعماء وفيهم للأسف عرب, فتصريحاتهم بالادانة سبقتنا ونشرت في الصحف, الا اننا نختم مع سلوبودان ميلوسيفيتش, الذي فجر أساس المشكلة عندما سحب الاعتراف القائم بالحكم الذاتي لاقليم كوسوفو, ونتوقف عند رده الفظ والمشين على رسالة الاتحاد الاوروبي الاخيرة له والموقعة من وزيري خارجية كل من بريطانيا وفرنسا تذكره باتفاق باريس ورامبوييه على التوالي, فيرد بعدم وجود أي اتفاق في باريس ولا رامبوبييه, ما يذكرنا مرة أخرى بأمثاله ممن يوقعون اتفاقيات ومواثيق, ثم يلحسونها حتى قبل ان يجف حبرها, فلا يفيد فيهم سوى أمريكا وكل قوة ممكنة من عصا أو دبابة أو صاروخ لتأديبهم وتربيتهم من حيث فشلت معهم أمهاتهم. عبدالحميد أحمد
عبدالحميد أحمد
التاريخ: 27 مارس 1999