هناك دول لا تاريخ لها وعلى هذا فإنها لا تكترث بالتاريخ وتتمنى لو تكون الدول الأخرى مثلها بلا تاريخ.
وعقدة النقص هذه تعوضها مثل هذه الدول بالجغرافيا والقوة الاقتصادية والهيمنة العلمية وتستكثر على شعوب أخرى حتى مجرد امتلاكها لحجارة لها دلالات تاريخية ورموز حضارية.
وقرأت مؤخراً أن تمثال «أبو الهول» ليس مصرياً ولا علاقة للملك الفرعوني خفرع به وهو كلام غريب لبعثة أثرية علمية رأت أن التمثال يعود لعصور أقدم من عصر الفراعنة ولحضارات أخرى أصحابها جاءوا من الفضاء ولو لم تكن البعثة من العلماء لقلنا إن هذه تخاريف مشعوذين وأراجيف مجانين يحبون الصرعات والغرائب لكن لأنه كلام علماء فهو مخيف وإن كان سخيفاً.
علماء الآثار المصريون استفزتهم هذه التخاريف وتصدوا لها مثلما تصدوا من قبل لمحاولات ضمن المخطط الصهيوني الذي يهدف إلى محاولة إثبات أن الحضارة المصرية لم تشيّد بأيدي المصريين القدماء بل بأيدي آخرين.
ونفهم أن إسرائيل تحاول سرقة تاريخنا لأنها في صراع حضاري معنا أما بعض الدول الحديثة فإنها تحاول سلبنا هذا التاريخ لكي نكون مثلها بلا تاريخ فنحن حالياً كعرب وضمن الأوضاع الراهنة لا نملك شيئاً باستثناء هذا التاريخ الموجود في حجارة وصخور وكتب، فإذا فقدنا هذا التاريخ فقدنا الهوية والشخصية فقدنا وجودنا.
ونحن لا ندعو فقط للاحتفاظ بتاريخنا بل أن نملك الجغرافيا أيضاً لأنه لا معنى ولا قيمة لتاريخ بلا جغرافيا، إلا كمعنى وقيمة الهنود الحمر حالياً في أمريكا.
ولأن بعض الدول بلا تاريخ فيهمها أن تكون الشعوب الأخرى بلا تاريخ… ولأنها بلا تاريخ فهي تستورد التاريخ إليها، وفي دراسة وثائقية لأستاذ جامعي مصري هو الدكتور محمد محمود محمدين رصد كثيراً من الأسماء العربية التي أطلقت على مدن وأماكن في عدة دول حديثة مثل أمريكا بعضها نعرفه مثل الاسكندرية والقاهرة وبغداد ومصر ودمشق وبعضها لا نعرفه، ومن هذه الأسماء على سبيل المثال لا الحصر، اسم محمد ويطلق على مكان في الينوي، والمدينة ويطلق على نهر في تكساس ونينوى الذي أطلق على عدة مدن أمريكية وممفيس في ولاية تينيسي وفلسطين أطلق على مكان في تكساس والنيل ويطلق على عدة أماكن في كاليفورنيا، وبعل تيمور وهو اسم لمدينة أمريكية مشهورة الآن هي بالتيمور وهكذا وحتى دنقلا ودارفور السودانيتين أطلق اسميهما على مدينتين بولاية مينيسوتا وهناك قائمة أخرى لا تحصى من الأسماء العربية التي أطلقها الأمريكيون على قراهم ومدنهم.
طبعاً تعرفون أن بعض الدول تطلق كذلك أسماء أخرى غير عربية، إسبانية ومكسيكية وإنجليزية وفرنسية وبولندية وغيرها على مدنها وأماكنها فهي كما قلنا بلا تاريخ ولا ذاكرة ولا حضارة ونحن نفتخر أن تكون ثمة أسماء عربية شقت طريقها إلى الدول الحديثة، فهذا اعتراف بقيمتنا الحضارية، لكن حين نربط بين محاولات علمائهم القول إن «أبو الهول» ليس مصرياً وبين هذا النقل للأسماء على خلفية عقدة النقص الحضارية، فإن خوفاً يصيبنا من أن يقول البعض بعد أجيال من الآن لأولادنا وأحفادنا إن القاهرة وبغداد ودمشق ودارفور وغيرها ليست أسماء عربية، بل أجنبية سرقناها نحن العرب منهم.
وعندها سيعرف أولادنا لا نحن، ما معنى يسرق الكحل من العين!
من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.