من قال إن «أم المعارك» انتهت؟
صحيح أنها انتهت عملياً وواقعياً بتحرير الكويت، لكن بقاياها سوف تظل زمناً طويلاً ومن بقاياها كم الأسرار والألغاز والمعلومات التي لم تكتشف بعد فيوماً بعد يوم سنسمع الكثير من هذه المعلومات التي ستذكرنا في كل وقت بــ «أم المعارك».
هل تقول إن تاريخ «أم المعارك» هو المقبل؟
نعم، وسوف يكون في هذا التاريخ ما هو حقيقي وما هو زائف وسيكون ما هو مؤلم ومخز وما هو طريف ومسل أيضاً طرافة التسمية نفسها «أم المعارك» التي انتشرت في طول الأرض وعرضها وصارت سخرية ودعابة، وعلى منوالها ظهرت تسميات «أم الاستقبالات» و«أم العروض» و«أم الهزائم» و«أم الأحزان» وغيرها من «الأمهات» التي لم نسمع بها بعد ويستخدمها الناس في حياتهم اليومية، كأن يقول رجل عن زوجته «أم النكد» ويقول آخر عن سفر الصيف «أم الديون» وثالث عن الأسواق «أم الهموم» وكأن يقول وحدوي قديم عن الوحدة العربية «أم الخرافات» وآخر عن السلام مع إسرائيل «أم الأوهام» … وهكذا.
أما أنا فأسمي كثيراً من أخبار ومعلومات الغزو «أم الطرائف» أو «أم اللطائف» مع أن بعض هذه الطرائف لا يدعو للضحك قدر الألم وبما أن كثيراً من تاريخ «أم المعارك» لن يكون بالإمكان الكتابة عنه عندنا في الوطن العربي وإلا ستتحول التسمية إلى «أم الفضائح» فهو ممنوع ومؤذ ومسبب للآلام فسنكتفي بما هو ممكن من الطريف واللطيف.
وآخر ما قرأناه كان نص شريط يتحدث فيه صدام إلى مجموعة من قادته العسكريين في الكويت عشية بدء المعارك الجوية نشرته إحدى كبريات الصحف العربية وفي هذا التسجيل ما فيه من لطائف وغرائب وأشياء لا تصدق جرت وقيلت على لسان صاحب «أم المعارك» تكشف عن نوعية من التفكير غريب وعجيب تجعلك تشعر وأنت تقرأها بأنك أمي وجاهل أمام هذه العبقرية اللي ما تحصل، فعند صاحب «أم الكوارث» لا قيمة ولا معنى لكل الحشد العسكري الأمريكي والدولي والعربي الذي يواجهه، ولا قيمة كذلك للتفوق التكنولوجي لأن رمي الرمل في عين جندي أمريكي أهم من القصف عن بعد ولهذا فإنه يوصي جنوده بالاختباء تحت الأرض هم وعتادهم، فيصبح لا قيمة للقصف الجوي فيقول: «المطلوب أن تغطس تحت الأرض وأنت تهزم عدوك» وعنده كذلك لا قيمة للطائرة الشبح لأن راعي الغنم يستطيع أن يراها والأخطر أنه يعتقد أن غزو الكويت كان بأمر «إلهي» ويقول ضاحكاً لأنه اكتشف أمراً عظيماً حين عرف أن شعار حزب بوش هو الفيل: يا سبحان الله، يا سبحان الله، وردد الآية الكريمة: «ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل» واضعاً النصر في جيب بنطاله!
لن نعلق لكننا سندعو الله كي يكون في عون الشعب العراقي، الذي ينفذ فيه حاكمه هذه الأيام «أوامر إلهية» كما نفذها على الكويتيين أما سجل «أم المعارك» نفسه فلم ينفتح بعد ومع الأيام سيأتي منه الكثير مما لا أذن سمعت ولا عين رأت.
… «أم المعارك» انتهت لكن تاريخها يبتدئ، فترقبوا وستعرفون أن التاريخ يصنعه المجانين أحياناً!
من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.