عبد الحميد أحمد

الطاحونة الدائرة

لأن اليوم عطلة فسنتحدث عن العمل.

في اليابان قالت تقديرات حكومية إن المواطن العادي يعمل ما معدله ٢٥٠٠ ساعة سنوياً، وهو معدل يتجاوز عدد ساعات العمل في كثير من الدول المتقدمة، ففي أمريكا تبلغ ساعات العمل ١٩٠٠ وفي ألمانيا ١٦٠٠.

ومن يعمل كثيراً ينتج كثيراً ولأن الياباني يعمل كثيراً فقد احتلت بلاده صدارة الدول المتقدمة والمنتجة وتحولت إلى عملاق اقتصادي في سنوات قياسية تخشاه أمريكا وأوروبا.

ولا مجال هنا للمقارنة بيننا – مثلاً – وبين اليابان، فآخر ما نحلم به هو أن يكون عندنا مواطن كالمواطن الياباني الذي يعمل كثيراً ويستمتع كذلك بأوقات فراغه كثيراً ولا نقصد كذلك الاحتجاج على العطلات فهي حق لكل موظف ولكل عامل.

ما نقصده تحديداً هو ساعات الإنتاج فالموظف عندنا يقضي كما هو مفترض ثماني ساعات في العمل، لكن إنتاجيته – كما هو معروف – لا تتجاوز الساعتين في أحسن تقدير.

وحالنا في ذلك حال كل دول العالم الثالث، التي تنخفض فيها ساعات العمل المنتجة وبالتالي الدخل القومي حتى أن كثيراً من هذه الدول ومنها دول عربية تثمر فيها أشجار لا تجد من يجمع ثمرها، فتسقط على الأرض لتفسد.

والعمل أبلغ خطاب وأقصر جواب وفي أي دولة متقدمة اليوم كاليابان وألمانيا وأمريكا فإن في ارتفاع ساعات العمل فيها يكمن الجواب على تساؤلنا عن تقدمها ورقيها وهيمنتها الاقتصادية، وعكس ذلك يكون فيه الجواب على تساؤل التخلف والفقر والتبعية.

ونحن حين نزور واحدة من هذه الدول نندهش كيف يعمل هؤلاء، وكيف يحبون عملهم إلى هذا القدر ونروي عنهم كثيراً دون أن يحاول الواحد منا أن يكون مثلهم.

كان يمكن لليابان إثر هزيمتها في الحرب العالمية الثانية أن تكون اليوم في آخر السلم لا ذكر لها ولا حساب لكن لأن الأرض العطشى كما يقولون ليست بحاجة لدماء الرجال بل لعرق الرجال، فقد نهضت اليابان بهذا العرق من رماد الهزيمة والدمار لتتصدر اليوم قائمة الدول الأقوى اقتصاداً.

ومن لا يعمل لا يعرف طعم الراحة والشجرة التي لا نهزها لن نعرف طعم ثمارها ولعله من هنا فإن كثيراً منا يشعر بطعم الملل في كل وقت حتى في الاجازة الأسبوعية ولكي نعرف طعم هذه الاجازة، علينا أن نسأل أنفسنا اليوم، هل عرفنا طعم العمل طيلة أيام الأسبوع؟

يقول اليابانيون إن الطاحونة الدائرة دوماً لا تبرد أبداً لذلك فطاحونة العمل عندهم لا تتوقف أما الكسل فيسير بطيئاً حتى يدركه البؤس واسألوا العالم الثالث كله!

من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.