الذي قال «لابد من صنعاء وإن طال السفر» لا شك أنه قال هذا الكلام أيام لم تكن هناك مدن عامرة تستهوي الأفئدة كما هو الحال في عصرنا هذا حيث تقول زوجاتنا «لابد من لندن وإن خربت بيوتنا».
وزوجاتنا لا يستذكرن لندن إلا في الصيف ومع تباشير الرطب والحر، حتى صارت لندن كالباطنة قديماً، مصيفنا الأغر.
وآخر أخبار جاري أبو عبدالله، أن حرمه المصون بدأت تشن عليه غاراتها الصيفية مع انتهاء الامتحانات المدرسية، تارة بالكلام والزعيق، وتارة بالطنجرة والابريق، ومع أن هناك بلداناً أخرى جميلة، ومدناً باردة وظليلة كبومباي والقاهرة وأشبيلية، إلا أن لندن تبقى عند الزوجات هي المرام، وزيارتها عادة كل صيف وكل عام، أما كيف يتم ذلك، فلا يهم عند الزوجات، فتلك مشكلة أبي العيال، الذي عليه أن يوفر المال، من البنك أو بالاستدانة من الأصدقاء أو ببيع الحلال، إذا كان عنده حلال!
وأبو عبدالله ليس من النوع الذي رأسه ناشف، لذا حاول إقناع بعلته بالذهاب هذا العام، إلى صلالة أو كراتشي أو شيراز، فينجو جيبه من الخراب والاهتزاز، خاصة أن زوجته وعيالها سافرت العام الماضي إلى لندن، بعد معارك مماثلة، إلا أنها – كما أخبرتني المصادر – أصرت على رأيها، فمن غير المعقول عندها، كما سمعت، أن تكون جاراتها وزوجات إخوانها، وحتى زوجات إخوان زوجها، مسافرات إلى لندن. وتذهب هي إلى كراتشي، فماذا يقولون عنها، وما يقهر أبو عبدالله أكثر، أن أم عبدالله استنجدت هذا العام بأمها، على اعتبار أنها من القوى العظمى، لتقف وراء مطالبها العادلة، فإذا بالأخيرة، بعد التهديد والوعيد، تقرر السفر معهم، لكي تكون قرب بنتها، كما أعلنت، ولتنتقم وتتشفى من جارتها التي أخذتها ابنتها معها العام الماضي إلى لندن ومحد أحسن من حد، كما لم تعلن إلا لبنتها أم عبدالله، والله بنيتها أعلم.
وهكذا صار على صاحبنا أن يوفر مصروفات السفر لزوجته وعيالها، ولأمها أيضاً إضافة بالطبع للمربية الفلبينية والطباخة السريلانكية، فيما هو لم يدفع بعد أقساط الصيف الماضي، وقد خطر لي أن أقترح على الجار، أن يرفع شكوى إلى خافيير بيريز دي كويلار، وهو المسؤول الأول وعلى رأس المنظمة الدولية المعنية بحقوق الإنسان، لولا أن وجدت حالته لا تسمح بالنكت ولا بالمزاح، فطلبت منه الموافقة فوراً على طلبات بعلته قبل أن تزيد قائمة المسافرين على حسابه، ثم إنه لن يكون الرجل الوحيد عندنا الذي يقدم التنازلات، خاصة أننا جميعاً نحن المتزوجين رضينا بهذا المصير الأسود منذ قبلنا بالزواج ووضعنا رؤوسنا وجيوبنا في قبضة حريمنا طائعين مختارين.
والآن كما تقول لي مصادري، تجري أم عبدالله ترتيبات السفر، ومنها بالطبع شراء الفساتين والثياب لها ولأولادها، ومن المشتريات مالا يخطر ببال، خيشه «يوبل» و«جسيف» تتسلى بهما حماته في قعدات الهايدبارك!
أما أنا فقد نويت أن أطلب من مصادر معلوماتي، وهي وزارة داخليتنا المسؤولة ليس عن استتباب الأمن وحده في البيت، بل عن المعلومات والاستخبارات وجلب أخبار الفريج، الكف عن ملاحقة أخبار أم عبدالله والتدخل في شؤون الآخرين، خوفاً في الحقيقة من انتقال العدوى إليها، فيصيبني ما أصاب جاري المسكين، من هم وخراب جيب تمتد آثاره لسنين، فإذا بها قبل أن أفتح فمي تقول: أشوفك ساكت عن السفر هذا العام!
من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.