عبد الحميد أحمد

الثعلب لا يشم رائحته

يقول الممثل البريطاني الإيرلندي الأصل ريتشارد هاريس إنه إذا مثّل فيلماً جيداً فهو «بريطاني» بالنسبة للصحف الإنجليزية، أما إذا كان الفيلم رديئاً فهو «أيرلندي» وحين فاز مرة بجائزة أفضل ممثل صدرت الصحف البريطانية بعناوين عريضة: «فاز الممثل البريطاني… الخ».

إذا كان هذا ما يحصل بالنسبة لواحد من أيرلندا وهي دولة غربية وإن كانت أصغر وأضعف من غيرها من الدول الغربية كبريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وكندا وإيطاليا، فماذا نقول عن العرب؟

تعرفون أنه كلما وقع حادث بطله عربي، سواء في الغرب أو الشرق، أو حدثت فضيحة كسرقة مثلاً أو قتل أو اغتصاب أو غيرها من هذه الحوادث التي تقع في كل الدنيا يومياً بما فيها الدول الغربية، والعربي ليس استثناء فيها، فإن الصحافة الغربية تجدها مناسبة لتجعل من الحبة قبة، ولكي تكيل الاتهامات للعرب وتنفس عن أحقادها وتسوق من الأوصاف ضدنا ما ينم عن كراهية سوداء وتظهرنا وكأننا أوباش وبرابرة ومتوحشين وسفاكي دماء وآكلي لحوم بشر وعديمي الأخلاق والتربية إلى آخر ما في قاموس التخلف من أوصاف تراها الصحافة والوكالات الغربية تليق بنا بينما المجرمون عندهم واللصوص فإن الفظاعات التي يرتكبونها، تنشر وتبث كجرائم عادية دون تعليقات مماثلة كالتي تخصنا بها هذه الصحافة وتلك الوكالات.

والصيف الماضي والذي قبله سمعنا عن حوادث سرقة في الغرب اتهم فيها مواطنون عرب وطبلت وزمرت الصحافة حتى جعلت من كل سائح عربي مشبوهاً ووصمة عار ومجروباً يجب تجنبه والحذر منه.

في مقابل هذه الإساءات المستمرة يتجاهل الغرب بصحافته ووكالاته ومجلاته وإعلامه، الإنجازات والإبداعات التي يحققها عرب في بلدان الغرب، خاصة العلماء، فعند الغرب فإن الواحد من علمائنا هؤلاء أمريكي أو بريطاني أو كندي وليس عربياً مثلما هو ريتشارد هاريس إنجليزي في أفلامه الجيدة وأيرلندي في أفلامه الرديئة.

وفي الغرب أسماء ونماذج لعلماء ومبدعين عرب لامعين تنسبهم صحافة الغرب إليها منهم على سبيل المثال إلياس خوري الفائز بجائزة نوبل في الكيمياء العام الماضي وعلى ٣٧ جائزة ووساماً دولياً رفيعاً و١١ شهادة فخرية وينحصر إنجازه الأساسي في الكيمياء العضوية وفي تطويره نظريات وطرقاً سهلت إنتاج الكثير من الأدوية والمركبات البيولوجية، والصناعات الأخرى ومنها البلاستيك والألياف الصناعية والأصباغ والألوان والمبيدات وغيرها وهو من أصل فلاحي من قرية العاقورة بلبنان.

ومن قرية مصرية أخرى تدعى مطوبس قريبة من الاسكندرية قرأت مؤخراً عن عالمة مصرية هي مها عاشور عبدالله أستاذة فيزياء بجامعة لوس أنجلوس اختارتها وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» لوضع خطة أبحاث فيزياء الفضاء، وهذه العالمة تستحق لوحدها حديثاً آخر في المستقبل إن شاء الله.

وغير هذين النموذجين ممن تعتبرهم الآن الولايات المتحدة أمريكيين لا عرباً هناك المئات من العلماء والسياسيين والمفكرين والأدباء والمخترعين العرب الذين يعيشون في الغرب وكأنهم من تلك الدول ولا نسمع عنهم إلا القليل النادر فيما هذا الغرب نفسه ما أن يجد حكاية تافهة عنا حتى ينشرها مضخمة وفيها كل بهارات المبالغة والإسفاف والشتم ضدنا فيما فضائح مواطنيهم تزكم الأنوف كل ساعة.

صحيح أن جيفة واحدة تجمع الغربان، لكن الأصح أيضاً أن الثعلب لا يشهم رائحته وهذه هي حالنا مع الغرب ومع ذلك فإن الحق علينا لأننا مؤدبون لا نحن غربان نجتمع على جيفهم ولا نحن ثعالب لكي نشم رائحة غيرنا وذلك منذ أن دخلنا الكهف وصار لا يسمع لنا إلا الشخير العالي، ونصر على أن الحق على الطليان!

من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.