عبد الحميد أحمد

«ميلان» بريجيت باردو

قرأت مرة عن فقير إنجليزي عضه كلب في فخذه وحين علم أن الكلب يملكه ثري أعتقد المسكين أن الفرصة الذهبية حانت لكي يحظى ببضع جنيهات، فذهب إلى القاضي مشتكياً ولما علم الثري بالأمر أحضر عشرة محامين للدفاع عن الكلب وفي النهاية صدر الحكم بحبس الفقير بحجة أنه هو الذي عض الكلب.

الحمد لله أن مثل هذه القصص لا تحدث في مجتمعاتنا العربية، وإن كانت قصص الفقراء تملأها وكلها مثل النكت المضحكة المبكية أما سر اهتمام الغرب بتربية الحيوانات خصوصاً الكلاب فلا أحد يعرفه بعد وإن كان التفسير الأرجح هو أنهم يؤمنون بمقولة «هيجل» الذي قال مرة إنه كلما ازداد معرفة بالرجال ازداد حباً للكلاب.

ومنذ يومين قرأت أن علماء النفس والاجتماع في فرنسا حذروا من أن ظاهرة الرأفة بالحيوان قد تجاوزت المعقول إلى الإسراف المبالغ فيه حيث أعلنت جمعية الدراسات الاستهلاكية بباريس أن الشعب الفرنسي ينفق سنوياً ٥٠٠ مليون دولار على شراء ورعاية الكلاب والقطط.

وصادف أن قرأت في اليوم نفسه عن بنت من تايلاند باعت رضيعها البالغ من العمر أسبوعاً بأربعة دولارات فقط لكي تتمكن من شراء تذكرة سفر بالباص للعودة إلى قريتها.

وليس لدينا تعليق على عالم الفقراء والأغنياء سوى أن الخبرين يعطيان المعنى لحوار الشمال والجنوب مع أن الفقراء موجودون في كل مكان بما في ذلك الشمال بدليل صاحبنا الإنجليزي الذي حكم عليه القاضي بالحبس بتهمة عض كلب الثري.

الفارق الوحيد بين فقراء الشمال وفقراء الجنوب ومنهم البنت التايلاندية، هو أن للفقر هناك قوانين ومنطقاً أدخلت الفقير الإنجليزي إلى السجن وفيه سيجد ما يأكله على الأقل وعلى حساب الحكومة أما لفقر الجنوب منطق واحد: الجوع وقانون واحد: الموت وقهقهات لا تنتهي.

وبعيداً عن هذا الكلام الذي يورث الحزن فإنني اخترت للقراء اليوم حكايات وطرائف من عالم الفقراء لسببين: الأول لأن هؤلاء ليس لديهم من عمل إلا الحلم برغيف خبز والثرثرة والتنكيت على أنفسهم للتخفيف عن حالة البؤس التي يعيشونها والثاني لأنني جبان لا أستطيع الحديث عن الكلاب خاصة إذا كان وراءها محامون.

فهذا فقير محترم يستحي أن يشحذ ليأكل قال لامرأة تطل من على شرفة شقتها: هل ممكن أبرة أخيط بها ثيابي الممزقة؟ فسألته المرأة: وكيف أسقط لك الإبرة وأنا بالدور الثامن؟ فأجابها على الفور: اسقطيها في رغيف باللحم، وواحد آخر مثقف سأله زميل له: هل صحيح أن الأمراض تنتقل بالوراثة؟ فرد عليه: هذا سخف لا يصدق فأبي مات من عسر الهضم وأنا أموت من الجوع!

أما الثالث فأراد شراء اللحم، فقال له الجزار إن الكيلو بعشرة جنيهات فرد عليه الفقير: أعطني عشرة جرامات لحمة فسأل الجزار: ماذا ستصنع بالعشرة جرامات؟ فرد عليه: ألفهم في سيجارة وأعطى كل ولد نفساً منها!

أما المصيبة الأعظم فهذا الذي ذهب إلى طبيب حكومي يتعالج فقال له الطبيب: عندك فقر دم، فصاح المريض غاضباً: وهل وصل الفقر من جيبي إلى دمي أيضاً!

ولكي لا يغضب مني الفقراء إذا صادف وقرأوا هذا الكلام فإنني أدعوهم إلى حفلة ضحك الليلة بمناسبة عيد ميلاد «ميلان» الخامس عشر أشهر كلاب بريجيت باردو شريطة ألا يتمنى الواحد منهم لو أنه «ميلان»!

من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.