كل الأنظار تتوجه إلى قمة لندن التي تبدأ بعد غد الاثنين.
ونعني بالأنظار هنا، تلك الدول التي تحسب للمستقبل وتخطط له، أما الدول الأخرى التي لا حساب لديها للمستقبل ولا يدخل في اعتبارها وتطحنها مشاكلها الداخلية المزمنة، فهي ليست لديها أنظار أصلاً لتتوجه بها إلى قمة لندن، أو غيرها.
فجورباتشوف، استمات حتى حظي بالموافقة لحضور القمة، وإن كان حضوراً شكلياً حيث سيستمع قادة الدول الصناعية السبع الكبرى في العالم في ختام قمتهم إلى خططه الإصلاحية قبل أي قرار من جانبهم بدعمه مالياً واقتصادياً، أما فيما عدا ذلك فلن يكون الدولة الثامنة على مائدة اجتماعات قمة لندن، حتى مأدبة التكريم التي ستقيمها الملكة اليزابيث للقادة الكبار، تم استبعاده منها، إذا لا مكان في محفل الكبار المتفوقين لزعماء الدول الاشتراكية التي تقاتل الآن لتعثر على طريقها إلى الرأسمالية كما أوضح الزعماء السبعة وهذا هو منطق القوة في مقابل لهفة المحتاج.
والمحتاج في العالم اليوم دول كثيرة، والاتحاد السوفييتي ليس استثناء إلا كونه من الدول التي تسعى للحصول على موقع في المستقبل، بعد خراب اقتصاده وفقدانه مركزه السياسي التقليدي الذي احتله طيلة ستين عاماً كثاني أقوى دولة في العالم، وهو في هذا أفضل طبعاً من غيره من الدول التي لا يهمها المستقبل في شيء حيث يخطط لها الآخرون مصائرها بــ «الريموت كونترول».
وقمة السبع الكبار، بدأت في العام ١٩٧٥ لتسوية نزاع بسيط حول أسعار صرف العملات ثم سرعان ما تحولت القمم بعد ذلك من مؤتمرات سنوية لبحث مسائل اقتصادية حول أسعار الصرف والفائدة إلى مؤتمرات لبحث قضايا أشمل كمكافحة المخدرات والإرهاب والمحافظة على الغابات المدارية وطبقة الأوزون وبحث التلوث إلى أن أصبحت اليوم مؤتمرات لبحث أخطر وأهم القضايا السياسية الاستراتيجية والحيوية في العالم كسبل مواجهة انهيار أنظمة الحكم الشيوعي في أوروبا الشرقية، وكالحد من التسلح في الشرق الأوسط وكالنزاعات الإقليمية في الشرق والغرب، حتى تجاوزت في أهميتها القمم الأمريكية السوفييتية الثنائية التي ترسم مصير العالم وصار السبعة الكبار هم الذين يديرون الكرة الأرضية بقوتهم الاقتصادية والصناعية ويتحكمون في مسارات السياسات الإقليمية والدولية معاً.
يقول هيلموت سونينفيلت من معهد بروكينجز الأمريكي للدراسات، وسبق أن شارك في أول قمة للسبع الكبار عندما كان عضواً بارزاً في إدارة الرئيس الأمريكي جيرالد فورد إن هذه القمم ليست إلا منبراً للكلام ولكنه أكثر من مجرد منبر لأن الناس فيه يفعلون ما يتحدثون عنه ويضيف ن القمم لا تتخذ قرارات ملزمة على الآخرين، لكن الكثير مما يتفقون عليه من نتائج يتحول في وقت لاحق إلى قرارات في هيئات تنفيذية أخرى ويلخص قمم مجموعة السبع فيما يلي: «هي حيث يصبح الاقتصاد سياسة والسياسة اقتصاداً».
هذا الكلام وواقع هذه القمة يذكرانا بالوضع المقلوب عندنا في الوطن العربي، حيث تبدأ منظماتنا وتكتلاتنا القومية والإقليمية من فوق السلم بقرارات عن أخطر القضايا السياسية ثم بعد سنوات نجد أن أصغر القضايا الاجتماعية والثقافية والتعليمية صارت هي الأخطر بعد أن كبرت واستفحلت واستعصت وصرنا نحن جميعاً في أسفل السلم.
لا نطالب طبعاً بأن نتحكم نحن العرب في مصير العام كما يفعل قادة السبع الكبار، لكن أن نستطيع على الأقل التحكم في مصيرنا وقضايانا الصغيرة منها قبل الكبيرة وأن يكون كلامنا لا قراراتنا ملزمة لنا كدول عربية.
لماذا لا يحصل هذا عندنا، اسألوا جامعتنا العربية وأمناءها العامين على مدى تاريخها وقبل ذلك اسألوا هل فينا من تتجه أنظاره إلى قمة لندن؟
وإذا حصلتم على جواب ستقولون في وقت واحد: غطيني يا صفية!
من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.