إذا كان المتحدث مجنوناً، فالمستمع عاقل، وأنا اليوم في دور المجنون.
حتى أمس كنت أعتقد أن القمر ليس ملكاً لأحد، وليس له صاحب، لكن خبراً في صحيفة غيّر عندي هذا الاعتقاد. فالقمر يا إخوان، على عكس ما كنا نعرف يملكه مواطن من تشيلي اسمه «جينارو جاجاردو» وعمره ٧٢ سنة، وهو محام متقاعد الآن ويعيش في بلدة تالكا على بعد ٢٥٠ كيلو متراً من سانتياجو العاصمة.
وهو ليس بشاعر، حتى نقول عنه إنه مجنون يحب القمر ويتغزل فيه مثل كافة الشعراء حتى بعد نزول الأمريكان عليه واكتشافهم أنه مجرد حجارة وحفر ورمال وحصى، وليس من الذين أصابهم الخرف كذلك، حتى نقول عنه دفعة واحدة: ليس على المجانين والخرفانين من حرج.
الأمر ليس كذلك بالمرة، فجاجاردو سجل اسمه حين كان شاباً، أي في العام ١٩٥٤ في سجل الأراضي بتشيلي بوصفه مالكاً للقمر، أما مؤخراً فقد كتب وصيته وقرر فيها توريث القمر، بوصفه المالك الشرعي له، لشعب تشيلي، فقد ذكرت صحيفة «لاتيرسيرا» الأحد الماضي أن الرجل وضع فقرة في وصيته قرر فيها ترك «القمر لشعب بلادي» كما ورد في وصيته. ويقولون في بلدة تالكا، وفقاً لما هو شائع، إن الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ووكالة ناسا الأمريكية ورواد الفضاء الدرين وكولينز وارمسترونج تعين عليهم الحصول على تصاريح من جاجاردو للقيام بالرحلة الفضائية للقمر عام ١٩٦٩.
وأمس، صادف أن كتبنا في هذه الزاوية عن الصاعدين والنازلين مع الدولار، من الذين يصبحون مليونيرية أو رؤساء في غمضة عين، أو من الذين ينزلون إلى القاع فجأة، ولم أتصور أبداً أن يكون هناك من يستطيع أن يصعد كل هذا الصعود ليصل إلى القمر ويمتلكه ويورثه أيضاً، ولله في خلقه شؤون.
ومع ذلك يبقى هناك فرق بين من يحلم ويسلي نفسه بامتلاكه القمر ويصدق هو والناس حكايته وإن كانت كذباً، وبين من يصر على أنه لا يزال يملك ويحكم فيما هو مخلوع وهارب ومطرود من بلده.
مانجستو ماريام هرب وترك الحكم ثم انزوى في مكان في أفريقيا ساكتاً لا يقول ولا يفعل شيئاً، أما سياد بري، فهو على العكس تماماً، يصرح ويتحدث ويصر على أنه حاكم الصومال ويتزوج أيضاً.
فآخر تصريحاته قال فيها إنه «الرئيس الشرعي للصومال وسأواصل القتال حتى الموت، وفي مقديشو زمرة من الطامعين تدمر كل شيء، فليأتوا إلى هنا (مكان اختبائه) فأنا في انتظارهم». وآخر أخباره أن الرجل البالغ من العمر ٨١ عاماً عقد قرانه مؤخراً على فتاة عمرها ١٦ عاماً من قبيلة رير حسن لكسب تأييدها له في مخبئه بمدينة جريهاري التي فر إليها، ولا يهم عنده إن زعلت زوجته الأولى خديجة وابنتها عنب (ياللاسم الجميل حقاً) من هذا الزواج فالمهم عنده الرجوع إلى السلطة ولو بالزواج وكسب القبائل.
وكنت منذ فترة قد قرأت أنه بإمكان الإنسان أن يعيش على المريخ بعد قرنين من الآن. وأن العلماء الأمريكان يخططون من الآن لعمليات نقل واسعة من الأرض إلى المريخ، لتخفيف الضغط والتلوث والحرارة التي تتعرض لها الأرض حالياً، فالمريخ حسب هؤلاء العلماء سيكون أنسب مكان لمعيشة الإنسان بعد بوار الأرض وارتفاع حرارتها ومشكلاتها.
ولا أعتقد أن سياد بري قرأ هذه المعلومة، ولا خبر جاجاردو كذلك، وإلا لانفتحت شهيته لتسجيل المريخ باسمه ليكون المالك الشرعي له فعلى الأقل سيضمن كوكباً بالكامل في حال لم يعد لحكم الصومال، وشخصياً قررت الإسراع في تقديم طلب إلى محكمة العدل الدولية أسجل فيها ملكيتي للمريخ، قبل أن يعرف سياد بري فيلهف الفكرة مني، وهكذا أضمن أن يكون المريخ من بعدي ملكاً لورثتي، الذين هم أبنائي، وسيتعين عندها من كل إنسان أو دولة يريدان الذهاب إلى المريخ الحصول على إذن منهم، بوصفهم المالك الشرعي للمريخ، وسيصبحون بعد ذلك من أساطين المليونيرات وعمالقة المال.
كل هذا ممكن، وأكثر لولا أن الجنون، كما تعرفون، فنون.
من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.