عبد الحميد أحمد

عمامة جحا

مثلما أن مسمار جحا مشهور، ويضرب به المثل في التمسك بتبريرات وأعذار لا معنى ولا منطق لها، فإن عمامة جحا شهيرة هي الأخرى ويمكن أن نضرب بها المثل حالياً بمؤتمر السلام.

وتقول الحكاية إن جحا أراد أن يبيع عمامة له طويلة جداً، فصار ينادي في السوق: من يشتري هذه العمامة بعيبها؟ فقالوا له: وما هو عيبها؟ فرد عليهم: لها أول وليس لها آخر!

ومن يتابع هذه الأيام الأحاديث والتصريحات والكلام الدائر على ممر السلام يعرف كم هو يشبه تلك العمامة التي لها أول وليس لها آخر. مع أن المفترض في أي مؤتمر أو مفاوضات أن تكون لها نتائج ومحصلات ونهايات سعيدة بالقبل والعناق.

ونحن نكثر لقرائنا الحديث عن جهود السلام، لأنه الحدث الأهم الآن والذي عليه سوف تترتب الكثير من المسائل والأمور فيما يتعلق بمستقبلنا كله.

نتمنى وكلنا يتمنى أن تكون من نتائج المؤتمر حل القضية الأساسية، وهي القضية الفلسطينية التي من أجلها ضيعنا خمسين عاماً من عمر شعوبنا ومن إمكانياتنا وجهودنا والنتيجة المرجوة هي أن يحصل الفلسطينيون على حقوقهم حسب القرارات الدولية، أي حق تقرير المصير، وحق العودة واسترجاع الأراضي المحتلة.

لكن هذا المرجو لا تظهر له أية إشارات في مجمل التحركات والتصريحات والسيناريوهات المطروحة ولا يحظى بأي اهتمام أو عناية وذلك لأن المؤتمر المزمع عقده يبدو غامضاً، مما يجعل له بداية حقاً ولا يجعل له نهاية، خاصة وأن آخر الأخبار تقول إن هناك نصيحة دولية تفضل عدم طرح جدول أعمال مسبق للمؤتمر وترك الأمور تسير بموجب منطق خاص تفرضه عملية المفاوضات نفسها وهذا كلام خطر.

أما السيناريو الثاني فهو الانصراف إلى عقد اتفاقية ثنائية، وصفقات إسرائيلية عربية، وهو سيناريو لا يبتعد في مضمونه عن كامب ديفيد.

والثالث يقضي بتركيز المؤتمر بدفع أمريكي سوفييتي على مناقشة قضايا كثيرة تهم الطرفين العربي والإسرائيلي، بعيداً عن المسائل المتعلقة بالجوانب السياسية والحقوقية في النزاع التاريخي، ومن هذه القضايا التي يشير إليها هذا السيناريو مشكلة المياه والمسائل الإجرائية لرفع المقاطعة عن إسرائيل وعلى هذا السيناريو يتوجب استبعاد بحث مسألة القدس والحقوق الفلسطينية حالياً مما يؤكد حقاً مقولة عمامة جحا.

وإذا صحت هذه السيناريوهات وهي الأكثر شيوعاً وتداولاً الآن فإنه من الأفضل أن نبحث عن جحا معاصر لنبيعه المؤتمر ونضحك عليه لأن المشكلة الأساسية ستظل قائمة وستظل محور صراعات في المستقبل فأين السلام الذي نبحث عنه نحن وإسرائيل معاً، فيما لو صدقت إسرائيل في أنها تبحث عن سلام؟

إضافة لذلك فإن هذا المؤتمر وبناءً على ما هو مطروح، يعني أن اسحاق شامير سيكون قد حصل على كل الشعر من رؤوس الفلسطينيين، وحلق لهم قرعة، فيما لن يحصلوا هم على شعرة من رأسه الأشيب.

أما للعرب جميعاً فستظل المشكلة الجوهرية قائمة ومؤرقة ومصدر ضيق ومشكلات مما يعني أن المؤتمر ليس إلا جنازة للسلام وقديماً سئل حكيم: أيهما أفضل السير خلف الجنازة أو أمامها؟ فقال: لا تكن في النعش، وسر حيث تشاء.

من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.