عبد الحميد أحمد

راحة البال

يقول مثل فرنسي: الثقة أم الكدر والشك أبو الأمان. ولو أن كل إنسان عمل بمقتضى هذا المثل لتحولت حياته إلى جحيم لأنه لن يكون في مقدوره إلا الشك في كل شيء، لكي يكون مطمئناً. وعرفت قصة إحدى السكرتيرات ولكي لا نتهم بالافتراء، أسارع بالقول إن القصة جرت في دولة أجنبية، قالت لزميلة لها إن المدير قرر الاستغناء عن واحدة منهن لكنها لا تعرف أي واحدة بالتحديد فردت عليها زميلتها: أنا مطمئنة وفي غاية الاطمئنان أيضاً: فردت الأولى: ولماذا كل هذه الثقة؟

طبعاً خمن بعضهم الجواب ولمن لم يسعفه دماغه نذكر له جواب السكرتيرة المطمئنة، قالت: لأنني أمس تزوجت المدير.

لكنني شخصياً أعتقد أن المدير سوف يستغني عنها هي، أي السكرتيرة التي صارت زوجة لأنه لا يمكن لرجل منا أن يشاهد امرأته في البيت والمكتب معاً وإلا لكره حياته عن بكرة أبيها ولو كنت في مكان هذا المدير الهمام والفارس الصمصام لاستغنيت عن الزوجة في العمل وحولتها إلى شغل البيت وأبقيت الأخرى في المكتب فأين الاطمئنان وأين الثقة التي تباهت بهما هذه السكرتيرة على زميلة لها؟

غير أن حديثنا الذي أعجبكم ولا شك ليس عن السكرتيرات والمديرين بل عن البنوك والزبائن وعن الثقة فيما بينهما فالواحد من الزبائن يضع أمواله في البنك مطمئناً مرتاح البال ويتلقى كل شهر كشفاً بحسابه وودائعه وعليه شوية أرقام زيادة، هي الأرباح والفوائد ثم فجأة تأتي سوسة صغيرة نسميها الإشاعة فتحول هذا الاطمئنان إلى ذعر وتحول تلك الثقة إلى شك للبنك والزبون معاً وقد تكون الإشاعة صحيحة أو قد لا تكون لكنها متى ما انتشرت فإنها تهز هذه الثقة وتنشر الخوف لدى المودعين صغاراً وكباراً على السواء.

ومنذ حادثة بنك الاعتماد، الجمل الذي كثرت سكاكينه ولم يبق جزء من جسده إلا أصابته تهمة مغرضة أو غير مغرضة، توالت الأنباء السيئة عن البنوك، فقبل أيام كادت إشاعة في بيروت أن تدمر بنك لبنان والمهجر وهو من أكبر المصارف اللبنانية لولا أن هب المصرف المركزي ومعه المصارف اللبنانية التي تكاتفت معاً وقوت موقف البنك إزاء عملائه وأول أمس سرت إشاعة في هونج كونج حول «سيتي بنك» هب على أثرها العملاء لسحب أموالهم منه وأمس نقلت التقارير والأخبار أنباء مشابهة عن «ستاندرد تشارترد» وهكذا وكأننا في الصيف الحالي نشهد حرب بنوك بعد أن شهدنا الصيف الماضي «أم جنجال» التي هزت ثقتنا في كل الشعارات الجميلة التي كنا نؤمن بها، وجعلت المواطن العربي غير مطمئن على حاله وغير مصدق لكل ما يقال من حوله. ولسنا اختصاصيين في شؤون المال والمصارف لكي نحلل ونبرر أو «نبربر» بكلام من الذي يقوله المحللون ولا يفهم منه شيئاً غالبية المودعين، لكن بما أن الحال وصلت بالبنوك إلى هذا المستوى وصارت سمعتها عرضة للقيل والقال والإشاعات، فإن ما يهمنا هو الناس، الذين يرتعب الواحد منهم على تحويشة العمر وبعضهم على لطشة العمر، والذين كما نعتقد سيعودون إلى تراث جداتهم في إخفاء الأموال تحت المخدات والفراش، أو بدفنها في الرمال بعد لفها مليون لفة بالقطن والكتان والخيش والنايلون، لكي تكون بمأمن من السوسة الحقيقية هذه المرة.

وكان بودنا أن نقدم بعض النصائح لأصحاب الأموال الصغيرة والكبيرة معاً لكي تطمئن قلوبهم على شقا العمر، ولكي يكونوا واثقين لا يأكل الشك صدورهم ويؤرق ليلهم بالسهر والوسواس، لكن بما أننا والحمد لله الذي لا يحمد على الفلس باعتباره مكروهاً سواه، من أصحاب الجيوب النظيفة المكوية اللامعة التي يقولون عنها إنها تصفر، فإننا لم نجد خير نصيحة لراحة البال والشعور بالاطمئنان وضمان النوم بلا هم، من الفلس نفسه، الذي يجعل الواحد منا يموت ضحكاً وهو عالحديدة! فأفلسوا تكتب لهم النجاة من الوسواس الخناس، والذبحة الصدرية ووجع الرأس.

وسلامة الجميع.

من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.