بصراحة، ويشاركني في هذا مجموعة من الزملاء في «البيان» هم وأنا ملهوفون على مؤتمر السلام، ونتمنى لو أنه سيعقد غداً، وليس في آخر الشهر.
السبب لأننا موعودون بتاريخ انعقاد المؤتمر بالعيش واللحم والهريس والحلوى، وكل ما يمكن أن يخطر ببالكم من أطيب الطعام، ذلك لأن زميلنا «س. ط» حدد موعداً لعقد قرانه «الملكة» اليوم الذي سيعقد فيه المؤتمر، أي خطوبة زميلنا سيحددها وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر، ومعه بالطبع وزير خارجية الاتحاد السوفييتي بوريس بانكين.
وزميلنا ليس من القوى العظمى حتى يحدد له بيكر وبانكين موعد خطوبته، لكنه من الذين ينتظرون ويترقبون انعقاد المؤتمر على أحر من الجمر، ومن المتفائلين بنجاحه لذلك رأى أن كتابة صك دخوله القفص الذهبي سيكتسب بعداً تاريخياً وأهمية قصوى، إذ سيكون في اليوم نفسه الذي ندخل فيه نحن وإسرائيل معاً إلى القفص الذهبي وعش الوئام والمحبة والسلام، وما صداقة ومحبة إلا بعد عداوة.
ولو أن مقدار التفاؤل الذي عند زميلنا موجود لدى الآخرين خاصة ممن يعنيهم المؤتمر أكثر من غيرهم، فإن المواطن العربي في كل شبر من الأرض العربية سيحظى بالحلاوة والملبن والمكسرات والشوكولاتة، التي ستقوم الحكومات بتوزيعها ابتهاجاً بانتهاء عصر الحروب وزفافنا إلى عصر السلام.
وبما أن إخواننا الفلسطينيين على اعتبار أن المؤتمر سيحقق لهم مطالبهم في العودة وإقامة الدولة، سيكونون أكثر فرحة منا جميعاً، فإن المتوقع أن نسمع أصوات الرصاص يلعلع في كل مكان في الكرة الأرضية حيثما يتواجدون، ابتهاجاً وحبوراً مع أنني أنصح فيما لو فكروا بالابتهاج بهذه الطريقة أن يبحثوا عن وسيلة أخرى، فأصوات الرصاص ستفزع الناس وبالذات المتحضرين في الغرب، وستؤكد مزاعم الإرهاب ضدهم لذا يمكنهم استبدالها بوسيلة متحضرة أكثر، ومبهجة أكثر كرقص الديسكو والروك اندرول والبريك دانس في الشوارع والساحات.
وبهذه الطريقة التي يحبها العالم، سيدشنون دخولهم إلى الأسرة الدولية والدول المستقلة وإلى النظام العالمي الجديد على الطريقة الأمريكانية.
إلا أن كل ذلك يبقى هذراً في هذر، أما الجد فهو أن المؤتمر ليس هو الغاية، بل ما سيليه وكيفية تطور المفاوضات والنتائج التي سيفضي إليها، وهل بإمكانه تحقيق ما هو مطلوب عربياً وفلسطينياً؟
وكنت اليوم أرغب في ذكر اسم زميلنا «س. ط» الصريح بدلاً من استخدام أول حرفين في اسمه، لولا أنني خشيت عليه من غضب القوى العظمى، حماته وأهل عروسه المصون، لربطه بين المؤتمر وزواجه، أو بين مصير ابنتهم ومصير كل من شامير وعرفات وبقية أطراف المؤتمر، وأكثر لطموحه السياسي بدخول التاريخ مع بيكر وبانكين وغيرهما، فيما هو حقيقة داخل إلى حرب ستستمر معه بقية عمره، ولا يفيد معها مؤتمر سلام حتى لو كان برعاية حلف الأطلسي نفسه أو المنظمة العالمية لحقوق الأزواج!
من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.