عبد الحميد أحمد

حوار الصابون

قالت صابونة لأختها: أراك تزدادين هزالاً يوماً بعد آخر، فماذا تفعلين؟ فردت عليها الصابونة: إني اغتسل كل يوم!

أما السوداني فيحلم الآن بصابونة، بعد أن تنازل عن السكر والشاي والطحين، والسبب أن صابونة السودان اختفت لكثرة اغتسالها كل يوم. وحالة السودان ليست استثناء ولا بدعة، فهي من البلدان التي حل بها البلاء وجعل قيمة العملة الوطنية فيها من قيمة التراب، لو أن للتراب قيمة.

فمنجستو، ترك لأثيوبيا ما لا يزيد على ثلاثة ملايين ونصف مليون دولار في الخزينة، وهو مبلغ يملكه أصغر تاجر في أي دولة أوروبية، لكنه ترك بالمقابل ٣٥٠ ألف جندي عالة على الاقتصاد، لا قيمة لهم حتى لو بيعوا الآن بالمزاد.

كل أموال أثيوبيا ذهبت للجيش، حيث أنفق منجستو ١١ مليار دولار على العسكرة وخلق أكبر جيش في أفريقيا ومعها أكبر مجاعة، والآن لا يزيد دخل الفرد فيها على ١٢٠ دولاراً كل عام.

ولا أحد يعرف لم كان يبني هذا الجيش ولمن كان يستعد حتى المعارضة التي ربما أنفق ما أنفق في سبيل القضاء عليها لم يصمد أمامها ففر بجلده لائذا بالفرار.

ولأن الحال من بعضه، فما في أفريقيا يوجد في آسيا التي ذكر تقرير عنها مؤخراً أن عدد الجنود فيها يفوق عدد المدرسين.

وقال التقرير أيضاً إن دول آسيا المتخلفة تنفق ٦٥ مليار دولار سنوياً على القوات المسلحة وتستورد أسلحة بقيمة ١١ مليار دولار، وهذا المبلغ يكفي لتمويل برامج التنمية التي تحتاجها هذه الدول بشكل عاجل حسب التقرير الذي يضيف أيضاً إن نصيب الفرد مما ينفق الآن على التعليم والصحة والغذاء على سبيل المثال يبلغ دولارين فقط سنوياً في دولة كبنجلاديش وثلاثة دولارات في كل من باكستان وإندونيسيا.

ولأن الأرقام تغني عن كل كلام، فإن ختام التقرير يذكر أن نصيب دول جنوب آسيا من الدخل العالمي يبلغ ٢٪ فيما يبلغ نصيبها من إجمالي واردات السلاح العالمية ٢٠٪.

أما عندنا فنموذج العراق فاقع، البلد البترولي الغني، الذي بنى حاكمه جيشاً من مليون جندي، وصرف المليارات على برامج نووية، ثم صب عليها الكيروسين وأشعل فيها النار، لتقع المصيبة على رأس الشعب كما هي العادة.

أما الكلام عن حماية الحدود والدفاع عن الوطن والمعارك القومية فقد ثبت أن هذا الجيش بالمليارات التي أكلها لم يكن وارداً في بال قيادته شيء من هذا القبيل بل العدوان على الجيران وعلى الشعب نفسه.

في أفريقيا كما في آسيا كما أمريكا الجنوبية واللاتينية، تعدد الفقر والأسباب واحدة، ولو أن أنظمة هذه الدول لها علاقة بالعصر أو بالتنمية لوجهت جيوشها إلى محاربة الفقر عن طريق تحويل هذه الجيوش إلى مدرسين وأطباء ومهندسين وعمال، أما الفقر فليس إلا النتيجة التي تعلق عليها كثير من هذه الأنظمة أسباب بلاوي بلدانها.

أما الفقر فهو منهم براء، لأن هذه البلدان تجيد صناعته وتتفنن في إنتاجه ولا حل لديهم إلا بتسريح الجيوش، كما تفعل حالياً أكبر قوتين في العالم أمريكا والاتحاد السوفييتي، حتى اكتشفنا معاً، نهم هذه الجيوش التي تأكل الاقتصاد بشراهة وتتركه عظاماً بالية.

غير أن دول آسيا وأفريقيا لو سرّحت جيوشها لإنقاذ شعوبها من الجوع والمرض وانخفاض مستوى المعيشة، فمن الذي سيحمي حكامها من شاكلة موبوتو سيسي سيكو، الذين يستلمون البلد عامراً بالخير ويتركونه خالياً حتى من الصابون؟

من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.