عبد الحميد أحمد

فنجان العالم العربي (٢)

نواصل اليوم كما وعدناكم قراءة فناجين دول أخرى خاصة أن قراءتنا أمس أعجبت الكثيرين، الذين صاروا يحبون الودع والرجم بالغيب بعد أن أقعدتهم خطط التنمية الخمسية والعشرية والمسيرات النضالية الحافلة على الحصيرة وصار الواحد منهم يادوب يقدر يفكر أو يحلم.

ونبدأ من الجزائر التي تحتل هذه الأيام أخبارها صدر الصفحات الأولى ففنجانها يقول إن على الجزائريين أن ينتهزوا ما تبقى من أيام معدودة قبل ظهور النتائج النهائية للانتخابات وأن يسارعوا إلى الضحك وإفراغ ما في داخلهم من قهقهات وابتسامات، فالعام المقبل ستكون الضحكة عندهم سبباً للإخلال بالأمن، فعلى حسب تقاليد جبهة الإنقاذ التي تدعو إلى الانضباط والحشمة والأدب وهو ما ينقص الجزائر حالياً حسب برنامجها الأخلاقي فإن الضحكة ميوعة وخلاعة وفسق يستحق صاحبها السجن وقطع اللسان لأنها تتناسب مع حملة إنقاذ البلاد من الإفلاس والديون والفساد، وحسب الفنجان فإن المتوقع أن تجري خلافات عديدة حول العقوبة المستحقة على من يضبط متلبساً بالضحك إذ سيرى المتشددون ضرورة استئصالها من جذورها أي من الأفواه بقطع الرقاب وسيرى آخرون ضرورة التدرج في قطع شأفتها، بفرض غرامات أولاً ولمدة خمس سنين، وعلى ذلك قد تكون غرامة القهقهة ٥٠ ديناراً وغرامة الضحكة العالية ٤٠ ديناراً وغرامة الابتسامة ٣٠ ديناراً ولو حصل هذا فإن الجزائر ستشهد ازدهار تجارة تهريب النكتة وستنافس القاهرة على المركز الأول فضلاً عن أن هذه التجارة ستستطيع جمع أموال طائلة من هذا الضحك والابتسام تغطي العجز الضخم في الميزانية دون اللجوء إلى فرض الضرائب.

ويرى الفنجان أن الجزائر ستشهد موجات هجرة إلى الغرب لم تشهد لها البلاد مثيلاً لأن الناس يمكنها أن تصبر على عدم أكل اللحم سنة، لكنها لن تصبر على عدم الضحك يوماً.

أما لبنان الأخضر قديماً فإن فنجانه يرقص الدبكة ويغني الميجنا والعتابا طرباً ذلك لأنه سيسترد عافيته وشهيته للأكل والشرب وعلى عكس الجزائر فإن الناس فيه وإن كان ليس عندهم بنزين ولا كهرباء ولا طرق معبدة ستكون مبسوطة وتضحك وهي تلتم حول موائد المازة وسيبدأ لبنان في العودة إلى تصدير منتجاته وبضائعه التي عطلت الحرب مصانعها لينافس بذلك القاهرة والدار البيضاء وغيرها وطبعاً على رأس هذه البضاعة صناع النغم والطرب من فنانين وفنانات وراقصات وملكات جمال وحسناوات لا يشبههن إلا التفاح اللبناني في حلاوته وشكله، وسوف تستورد الدول العربية من هذه المنتجات في العام المقبل ما لم تستورده في قرن تعويضاً عن سنوات الكساد والركود الاقتصادي الذي أناخ بكلكله على المنطقة لذلك فإن الميزان التجاري سيميل بشدة لصالح التجارة الخارجية اللبنانية ومعه سوف يتحسن وضع الليرة على حساب خراب بقية العملات العربية التي لا تزال فيها شوية روح.

فنجان اليمن الحزين يبشر أن حكومة الوحدة العتيدة ستخترع شجرة جديدة تنافس القات بعد أن تكون كافة برامج مكافحة «المقايل» التي تقف سبباً وراء التخلف وضعف الإنتاج الاقتصادي والإداري والزراعي قد فشلت غير أن هذه الخطة ستمنى بالفشل لأن اليمنيين سيكون بإمكانهم إيجاد متسع من الوقت للقات والشجرة الجديدة معاً.

وبإمكاننا أن نمضي في قراءة فناجين الدول العربية فنجاناً فنجاناً لولا أنني خفت على نفسي من الإصابة بقرحة المعدة فيما لو شربت ٢٢ فنجاناً في جلسة واحدة وتعرفون أن قراءة فنجان دولة واحدة يكفي لإصابة المئات منا بالقرحة والسرطان والسل والمرارة والصفراء وفوقها الشيخوخة المبكرة فكيف بفناجين كل الدول مجتمعة، لذا أترك لكل منكم أن يقرأ بالنيابة فنجان الدولة التي تعجبه قهوتها إذ لن يرضيكم أن أموت شهيداً فيما أنتم تضحكون.

لذا أختتم بفنجان جامعة الدول العربية الذي يقول إن العام الجديد سنشهد فيه حلم قيام السوق العربية المشتركة التي ستنظم عبرها ولأول مرة في تاريخنا المعاصر وعلى حسب أصول السوق وتقاليده تبادل الشتائم والاتهامات والخلافات التي لا معنى لها ولتسهيل مهمة السوق سنشهد إلغاء المراكز الحدودية والجمارك لكي تمر هذه السلع والمنتجات الصناعية المعلبة بلا ضرائب ولا رسوم.

وهنا أتوقف لأنني بصراحة تعبت وداخ رأسي واطلبوا لي الإسعاف من فضلكم.
من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.