لابد أن فيلماً هندياً يكون سبباً في الجريمة المخيفة التي وقعت منذ يومين في دبي، وراح ضحيتها عائلة هندية كاملة، تهاوت تحت ضربات عصا الكريكت القاسية.
فالخادم القاتل، الذي نفذ جريمته ولاذ بالهرب، لم يمس أموال العائلة ولا مجوهراتها، ومصادر الشرطة أمسكت بذلك خيطاً من خيوط الجريمة، ألا وهو خيط الانتقام، الذي يبدو حتى الآن، أنه الدافع لهذا القتل الوحشي، الذي لا نجد مثيلاً له إلا في السينما الهندية وأفلام الرعب.
ونقول إن فيلماً هندياً قد يكون متسبباً في الجريمة، ذلك لأن هذه الأفلام تجد رواجها وانتشارها وسط الجماهير الهندية الفقيرة والمتخلفة والغلبانة، ووسط من شاكلها من جماهير الشعوب الأخرى، لأنها تداعب فيهم بطولات وهمية، تعوضهم عن انكساراتهم وخيباتهم الحياتية والمعيشية، وغالباً ما يكون الانتقام ركيزة قصص هذه الأفلام ومحورها.
ولا نريد التدخل في عمل الشرطة وتحقيقاتها، التي صارت الآن مشتركة بين شرطتنا وشرطة الهند حيث هرب إليها المجرم، لكن تصوراً لسيناريو محتمل أو لسيناريو قديم، من سيناريوهات الأفلام الهندية التي تقوم على فكرة الانتقام من جيل إلى جيل، يكفي لكشف غموض الخادم الهندي، الذي عاش بين الأسرة زمناً وهو يبدي الإخلاص في عمله وسلوكه تجاهها وتجاه أطفالها، حتى كسب منها الأمان ليوم غادر ينتقم فيه.
وربما تكشف التحقيقات القادمة، بعد القبض على الفاعل، سبب هذا الانتقام، الذي قد يعود لزمن قديم طويل، له علاقة بوالد أو بجد المجني عليه، وبالطبع بوالد أو بجد الجاني، إن لم يكن له علاقة بجدهما العاشر أو العشرين، بسبب خلاف على أرض أو بنت أو حتى دجاجة، وإذا لم يصدق مثل هذا السيناريو الذي نستحضره من الأفلام الهندية، فإن سيناريو آخر من الأفلام نفسها قد يشفي الغليل، وهو أن يكون القاتل مجرد أجير نفذ عملية انتقام لحساب شخص آخر، أو عائلة أخرى.
وقبل أن يتهمني قارئ منكم بأنني شرلوك هولمز أو كولومبو يحاول التدخل في عمل الشرطة واستباق التحقيقات، أعود إلى الأفلام الهندية، التي تعيد إنتاج التخلف وتعمل على دورانه في المجتمع بتمجيد البطل، وكثيراً ما تنتهي هذه الأفلام باقتياد البطل القاتل، الذي تابع ضحيته لينتقم منها سنين، في جيب الشرطة إلى السجن، لكن مع موسيقى ونظرات إعجاب من أهل البطل والحي والجماعة ببطولته وشجاعته، أما السجن، في عرف هذه الأفلام، كما في عرف كثير من أفلامنا التي مجدت الانتقام والأخذ بالثأر فترة من عمر صناعتنا السينمائية ومسلسلاتنا التلفزيونية، فهو للرجالة، ولا يدخله إلا الشجعان الصناديد، الذين يستحقون عند خروجهم منه زفة في الحارة بالطبول والزينات والرقص والأهازيج والتي قد تنتهي بخناقة كبيرة تعيد الشجاع إلى السجن.
وطبعاً شعوب الأرض التي نكبت بالتخلف، ومنه بعض شعوبنا العربية، ليست بحاجة لأفلام تحرضها على الانتقام والثأر، فهي عندها كميات من الجهل ما يكفي لتتقاتل من أجل دجاجة، كما فعلت منذ شهور عائلتان في باكستان حين تبادلتا إطلاق الرصاص بالبنادق والمدافع بسبب دجاجة عائلة نطت على حوش عائلة أخرى، فأسفرت المعركة عن مقتل وجرح عدد من أفراد العائلتين وبعض الدجاج بالطبع.
وإذا كنا مخطئين، وهو ما نرجوه وطلع الفيلم الهندي براءة من هذه الجريمة فانتظروا قريباً لتروا الجريمة نفسها قد تحولت إلى فيلم هندي طويل، فإنتاج التخلف لا يتوقف وصناعته تزدهر على قدم وساق والمتفرجون جاهزون وعلى قفا من يشيل.
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.