عبد الحميد أحمد

مجلس أمن دولي للحيوانات

فاكسنا ابن الأثير أمس على عجل ليذكرنا بأننا لم نتطرق إلى أخبار حيوانية كثيرة أخرى حين تحدثنا في زاوية أمس عن بعضها وذكرنا بأخبار صراصير استراليا التي صار سعر الزوجين منها ٤٨ دولاراً، يشتريها الاستراليون للزينة في بيوتهم.

وابن الأثير هذا ليس هو ابن الأثير الكاتب واللغوي والمؤرخ المعروف، بل هو ابن الأثير بحق وحقيق، يستخدم التكنولوجيا ليعبر الأثير على وجه السرعة ويتصل بمن يريد، ويبدو أيضاً أن أخبار الحيوانات تشده وتعجبه، وأنه متابع جيد لها.

إلا أنني أقول لابن الأثير العصري هذا، إن شخصنا ليس وكالة أنباء الحيوانات، وإن كنت أعتقد أنه عما قريب ستنشأ وكالة خاصة بأخبار الحيوانات تحتكر حقوق نشر أخبارها وموضوعاتها، طالما أن هناك نشاطاً حيوانياً متزايداً في العالم، وطالما أن الحيوانات تتقدم بفضل ما يتوفر لها من رفاهية، لا تتوفر للكثير من بني البشر ولا للحيوانات من فصائلها في دول أخرى من العالم حتى تصبح تلك الحيوانات المرفهة والبرجوازية جزءاً من النظام العالمي الجديد الذي بدأ يطل علينا بقرونه، أو بالأصح بقرنه الوحيد الأوحد.

ونعرف، ويعرف القراء ومنهم صاحبنا ابن الأثير، أن الحيوانات أبطال هذه الأخبار والحكايات، ما كانت لتحظى بهذا الاهتمام المتزايد من وكالات الأنباء لو لم تكن تدل على الإنسان، ومدى منحها الاحترام والتقدير في زماننا، هذا في المجتمعات المتطورة، أما في المجتمعات المتخلفة، فمازالت حيواناتها مثل بشرها، وأخبارها لا تسر الخاطر.

وبما أن العالم صار منقسماً إلى درجتين: درجة ركاب الدرجة الأولى، وركاب الدرجة العادية، فإن حيوانات كل درجة تشابه أصحابها، وتدل عليهم.

ففي جنوب أفريقيا العنصرية ضرب جماعة من البيض رجلاً أسود عمره ٦٠ عاماً حتى مات، ذلك أن كلبته تزاوجت مع كلب إحدى الأسر البيضاء، وتعرفون أن بنات الست لا يجوز لهن الزواج من أولاد الذوات، وإلا اختلت نواميس الكون وقانونه.

أما في بريطانيا فإن بامبي، وهي كلبة مدللة لكاترين هامسنت، تستطيع أن تقطع رزق أي عامل من عمال سيدة الأعمال المذكورة، وأن ترميه خارج العمل بنبحة من حنجرتها الذهبية وتقول صاحبة الكلبة المذكورة عندما تنبح بامبي في وجه أي عامل من عمالي أطرد هذا العامل فوراً.

ولابد أن عمال هذه السيدة يسعون كل يوم لكسب ود بامبي وإرضائها بالشوكولاتة والآيس كريم، وإمطارها بالقبلات لكي لا تطردهم من العمل.

وبما أن الحيوانات تتقدم على هذا النحو السريع، أكثر مما يتقدم بشر في هذا العالم فإنه سيأتي اليوم الذي نسمع فيه هذه الحيوانات تقرر ما تحب وما لا تحب، لذا نختم اليوم بحفنة حكايات عن حيوانات النظام العالمي الجديد، التي ستتصدر الأحداث المقبلة.

فهذا كنغر استرالي يقول لزميل له: كيف الحال مع حبيبتك التي تعرفت إليها أمس، فيرد عليه: لا تقلق، إنها في الجيب! وهذه بقرة هولندية حلوب تتأمل بقرة أخرى من أفريقيا فتقول لنفسها: إن مظهرها يدل على أنها تدر حليب بودرة، وهذا ثعلب أمريكي يرى سيدة تلتف بالفرو فيقول لها ساخراً: ما كنت أعرف أن النساء الثريات يرضين بارتداء ملابسنا العتيقة، أما الأسد الألماني فيسأل النمر الروسي: أليس لديك ما تلبسه غير هذه البيجاما؟ ويقول خروف إنجليزي لزميلته النعجة التي جزوا صوفها: اعذريني، فأنا لم أحلق بعد، بينما يسأل أسد في حديقة حيوانات لندن زميله عن رجل من العالم الثالث يتفرج عليهما: ما رأيك بهذا؟ فيرد عليه: شكراً، لا يكفيني ثم إنني أكره المعلبات.

والأغرب من هذا أن يكون عما قريب للحيوانات صوت بمجلس الأمن وحق فيتو أيضاً.

من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.