عبد الحميد أحمد

بشكارة

طلبت ربة بيت، من مكتب الخدم بشكارة، على أن تكون أمينة وذكية ونظيفة وبالها طويل، فأرسل لها المكتب أربع خدامات، ذلك لأنه حسب المكتب المذكور لا يمكن أن تجتمع الصفات المطلوبة في خدامة واحدة.

ورغم أن الحكاية ليست إلا طرفة، إلا أن الواقع في كل بيت عندنا أكثر من خدامة، وفي بعض البيوت يصل عددهن إلى أربع وخمس، واحدة للغسيل والتنظيف والكي وإطعام البقر والماعز، وثانية للطبخ والشاي والقهوة، وثالثة للأولاد، ورابعة خاصة لخدمة الست، وفي بعض البيوت وصل الحال، إلى حد وجود مربية لكل ولد، والمؤكد، أن كل بيت عندنا، صغيراً كان أم كبيراً، لم يخل من واحدة.

ولا نريد من هذا الكلام تنغيص حريمنا وسيداتنا وآنساتنا المبجلات، لكننا نثيره، بعد أن قرأنا منذ أيام على لسان المدير العام لمحاكم رأس الخيمة أن 247 جريمة ارتكبها خدم المنازل بالإمارة العام الماضي، وغالبية الجرائم أخلاقية، فكم يا ترى مجموع جرائم هؤلاء الخدم في الإمارات السبع مجتمعة، خاصة أنه لا يكاد يمر يوم إلا ونقرأ فيه حادثة أو أكثر أبطالها هؤلاء الخدم الميامين؟

وإذا كانت الجرائم والمتاعب والمشكلات التي يثيرها الخدم والخدامات لا تكفي لإظهار مدى خطورة هؤلاء، فما هو المطلوب إذن لكي يدرك كل بيت أي قنبلة في داخله، ناهيكم عن المضار الاجتماعية والثقافية التي يتعرض لها أصحاب البيت خاصة أطفالهم الصغار؟

نفهم مثلاً أن هناك ضرورات حياتية قاهرة تستدعي أحياناً وجود خدامة أو مربية في البيت، مثل وجود شخص عاجز يحتاج لعناية مستمرة، لكن الطبخ والغسيل وتربية الأولاد وصنع الشاي والقهوة لا يدخل ضمن هذه الضرورات، وإلا لامتلأت بيوت الأوروبيين في أوروبا بالخدم، علماً أن هناك يعمل الزوجان معاً، ورغم ذلك، قلما نجد في بيوتهم مربية أو خدامة، فما الفرق بيننا وبينهم إذن، إن لم يكن الكسل وحب الاسترخاء والاتكال على الغير حتى في أبسط أمور حياتنا، إضافة بالطبع لحب التفاخر والتظاهر ولو بخدامة؟

ونحن لسنا استثناء في هذا من بقية المجتمعات الخليجية التي عمها هذا الطوفان أيضاً، وبعد تحرير الكويت بشهور قليلة، شاهدت منظراً في مطار الكويت لا ينسى، حيث امتلأت قاعة كاملة بالخدامات من سريلانكا والفلبين والهند، واحتلت هؤلاء لضيق المكان السلالم المتحركة، وكان منظرهن لا يشبه إلا منظر جراد كاسح، وبالطبع هؤلاء بانتظار معاملاتهن ليدخلن البلد مرة أخرى.

وكنت أود أن اقترح على النساء، وبالذات المتعلمات، أن ينظمن انتفاضة اجتماعية من بيوتهن، وأن يبدأن بأنفسهن فيتخلصن من الخدامات ويشمرن عن سواعدهن مرة أخرى، مثلما كانت أمهاتهن يفعلن في الماضي، لولا أنني خشيت من اتهامي بالرجعية والتخلف، ففضلت بدلاً من ذلك أن أتجول اليوم في الأسواق للتفرج على قطعان البشكارات والمربيات من كل صنف ولون وشكل، وأن أهدي ربات البيوت المودرن خريجات الجامعات هذه الحكاية التي جاءت فيها الخادمة إلى إحداهن وهي تبكي وتقول: ماما جيلدرن داخل بالوعة! فردت عليها سيدتها المثقفة: لا تخافي يا سوما، يجب ألا نفقد أعصابنا في مثل هذه المآزق، واذهبي بسرعة إلى المكتبة وأحضري لي كتاب «كيف تربين أولادك».

من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.