لا أحد يتذكر آلان ساغاوا، لكنه في العام ٨١ أثار القشعريرة في جسد أوروبا كلها، حين قتل طالبة هولندية وقطع جسدها بسكين كهربائي، ثم أكل جزءاً طرياً منه واحتفظ بباقي القطع الممتازة في الثلاجة لوجبات قادمة.
وفات الغرب وقتها، أو أنه بالأصح لم يجد الأدلة، ليتهم العرب بأنهم آكلو لحوم بشر، بعد أن خصهم من دون شعوب العالم بالإرهاب والتطرف والوحشية، ذلك لأن ساغاوا ياباني ولم ينتبه أحد إلى اسمه الأول «ايسى»، ولو كانوا قد أجهدوا ذهنهم قليلاً لقالوا إنه ياباني لكنه من أصل عربي، فإيسى هذه سيقرأونها عيسى، وسننضم بهذا الاكتشاف إلى صف آكلي لحوم البشر، البرابرة المتوحشين الذين يحق للأمم المتحدة أن تصدر القرارات ضدهم على الدوام، من دون خلق الله الآخرين، والمطلوب إخضاعهم وتركيعهم حتى يتأدبوا ويكونوا عبرة لمن يعتبر وهؤلاء هم نحن، ولمن لا يعتبر أيضاً ومنهم إسرائيل التي لم تسمع بعد بالأمم المتحدة!
ونعود لساغاوا، الذي يعيش الآن حراً في بلاده منذ العام ٨٥، لنقرأ عنه خبراً أوردته وكالة أنباء غربية منذ أيام يقول إنه يخمد نار شغفه برسم النساء الغربيات وهن عاريات، ويتخذ لذلك موديلات نساء هولنديات وأمريكيات أيضاً، على حسب قول السفاح.
وبما أن ساغاوا هذا ذويق وعنده مزاج راق، فلابد أنه سيختار النساء ذوات اللحم والشحم ونحمد الله أنه لم يضع المرأة العربية على منيو مائدته وإلا لقلنا عنه إنه متخلف ومعلوماته عتيقة، حيث إن المرأة عندنا لم تعد ضخمة أو قوية منذ تركت ركوب الخيل والجمل، وكان شعراؤنا يتغنون بأوصافهن، وكلها أوصاف تدل على قوة البدن ونشاطه وضخامة أجزائه، ويبدو أنه متابع لأحوال النساء في العالم ولذا صار يعرف أن نساءنا على نوعين: إما ضامرات هزيلات لا فائدة ترجى منهن من سوء التغذية والمجاعة في بعض أقطارنا، وإما أنهن رشيقات مثل عصا البلياردو، بفضل محلات التخسيس والتجميل حيث تدخل الواحدة منهن إلى المحل وهي من وزن الفيل وتخرج منه بعد ساعة وهي من وزن الذبابة.
ثم إننا نحمد الله بالنيابة عن نسائنا مرة أخرى على أن ساغاوا هذا طلع عنصري مثله مثل الغرب الذي يختار ضحاياه منه، حين لم يصنف نساءنا من ذوات الجلد الأبيض، لذا لم يدخلهن في قائمة اهتماماته الفنية والطعامية، فكتبت لهن النجاة مرتين، مما يدعونا للقول إن بعض العنصرية رحمة، إذا كان فيها نجاة من آكلي لحوم البشر الغربيين وحلفائهم.
غير أن الغرب الذي يتحدث عن حقوق البشر في المساواة والعدالة، سرعان ما يشفط كلامه حين يصل الأمر إلى حقوق الشعوب الأخرى غير الغربية وغير المرتبطة به والتابعة له، كان آخر ما قرأناه رفض تعيين مواطن سويدي من أصل مغربي سائقاً لوزير الدفاع، لأن لونه ليس أبيض، ثم إن الغرب عقد قمة عاجلة لمساعدة روسيا وشعوب أفريقيا التي يتضور بعضها جوعاً منذ سنوات ولا من سمع ولا من شاف.
وإذا لم يكن في كل ذلك عنصرية ووحشية إلى حد أكل لحوم البشر، فما هما الإرهاب والوحشية إذن؟ ونختم اليوم بحكاية آكلي لحوم البشر من الغرب، لأننا لم نجد في تراث غيرهم حكايات مماثلة تدل على أنهم متوحشون، فقد قال طبيب إنجليزي لأحدهم جاء شاكياً من صداع لا يفارقه: إن سبب ذلك هو كثرة ما تتناوله من مفكرين، بينما نصح طبيب آخر بلجيكي رجلاً جاء يشكوه من حرقة أليمة في معدته بأن يتناول اطفائياً مرة في الأسبوع.
ولابد أن ساغاوا نفسه نصحه طبيب فرنسي حين كان يعيش في باريس بتناول امرأة غربية بين فترة وأخرى، تكون قوية وضخمة وبيضاء، حين شكا له قصر قامته وضعفها ولونه الأصفر وعيونه الضيقة.
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.