الفلوس تجيب العروس، وعلى قدر هذه الفلوس تكون العروس، وتكون الولائم أيضاً.
ونتحدث اليوم عن الزواج، الذي صار لبعض الشباب مثل الكابوس، لأن العين بصيرة واليد قصيرة، وخلال هذا الشهر، حيث الطقس كان حلواً، وحيث الفرصة مواتية لمن أراد أن يدخل القفص الذهبي مستغلاً الإجازة المدرسية، شهدنا أعراساً وحفلات زواج بالجملة، وكانت صالات الفنادق محجوزة على مدار أيام الأسبوع، وكان من ضمن هذه الاحتفالات، حفل الزواج الجماعي لمجموعة من الشباب في الشارقة، حيث يقدم لهم صندوق الزواج الدعم الحسن.. ويساعدهم في تخطي جزء من تكاليف العرس التي صارت تصل في بعض الأحيان إلى تكاليف إنشاء مصنع أو مشروع تجاري معتبر بإمكانه ضمان مستقبل الشاب وزوجته وعياله.
وكلما ظهرت عندنا بادرة مشجعة لتقليل مصاريف تكوين الأسرة مثل مشروع الشارقة ومشروع دبي الذي يتكفل بنفقة الحفلة في مطعم البوم، وكذلك صندوق عجمان وغيرها، كلما طلعت أيضاً ابتكارات لا تخطر في بال، تدخل في باب المباهاة والمغالاة في حفلات الزواج.
ويقول إخواننا المصريون في مثلهم الشهير إن الذي معه قرش أيده تزمر، لذا، فقد دخلت موضة جديدة إلى حفلات الزواج بالفنادق، وهي إجراء عملية سحب في نهاية الحفلة، على بطاقات الدعوة، تشبه عمليات السحب، التي نسمع عنها ونراها بكثرة هذه الأيام، تجريها السوبر ماركتات والشركات والمحلات.
فقد سمعت أن سحباً جرى على سيارة مرسيدس في إحدى الحفلات، وفي حفل آخر، جرت سحوبات على عدة أشياء، بدأت من الأطقم الذهبية وانتهت بالسجاد، وقبل ذلك سمعت عن عرس جرى في إحدى دول الخليج، تعمد فيه المعرس، أن يخفي عملات من الذهب الخالص، في أطباق الأرز واللحم، وفي صواني الهريس والحلوى، فما كان من المعازيم إلا الانهماك في الحفر بأظافرهم وأصابعهم داخل أكوام الرز واللحم والهريس الساخن بحثاً عن هذه العملات، وليس عن اللحم والشحم.
ربما أن هذه الاختراعات الفريدة، تحقق شيئاً من المتعة للمعازيم ولأهل المعرس والعروس، وربما أن القصد منها، ليس الفوز بالسيارة أو بالبضائع الأخرى أو بالعملات الذهب، لكنها بالتأكيد تعكس طبيعة حبنا للمظاهر والتباهي والتمايز، وفي كل هذا، ونتيجة له، تحول الزواج، كما أسلفنا إلى عبء وكابوس للبعض، ممن لا يقدر أن يجاري الآخرين، حين تكون مجاراة الآخرين شرطاً لزواجه.
لذا، فإن أخشى ما نخشاه، أن تنتقل عدوى هذه الابتكارات الجديدة، مثلما انتقلت غيرها، إلى المجتمع، فنجد أن كل أهل عروس يشترطون إجراء سحب في ختام حفلة العرس، وعلى ذلك سنشهد سحوبات على ثلاجات وغسالات وتلفزيونات، وربما على بطيخ وطماطم وخس وخيار، فكل يمد ريوله على قد لحافه، لولا أن هذا المثل الشعبي لم يعد يقنع أحداً الآن، فكل يريد لنفسه مظهراً لا يقل مستوى عن الآخرين، حتى لو كان في ذلك خراب بيته ومستقبله.
وصحيح أن الدز من المز، ولن نكمل البقية التي تعرفونها، لكن الأصح، هو أن نحمد الله على نعمه، وألا نبالغ في التباهي والإسراف، وإذا لم يكن ذلك حفاظاً على النعمة، فليكن على الأقل رحمة بالشباب غير المقتدرين، الذين صار الواحد منهم إذا أراد خطبة فتاة جابهته قائمة طويلة من الشروط والطلبات تكفي لو نفذها كلها أن تحوله بعد إتمام زواجه إلى شحاذ على أبواب البنوك، من بعد أبواب الله.
وسيقول الآن ألف واحد فيكم: أنا راضي وأبوها راضي، وانته مالك يا قاضي، وربما قال: يا فاضي، وتلك مصيبتنا.
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.