عبد الحميد أحمد

رمضان عصري

كان بودي اليوم، وبمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، أن أنصح النساء باتخاذ الإجراءات اللازمة، التي تتناسب مع متطلبات هذا الشهر، لولا أن النساء لا يحتجن لمثل هذا النصح، فهن ينطبق عليهن المثل «لا توصي حريص».

وبما أنهن حريصات أكثر مما يجب، فقد قمن باللازم وأكثر، فمنذ أسبوعين وهن يكتسحن البقالات والجمعيات والأسواق كما البلدوزر يتزودن بالمؤونة والعدة والعتاد، وكأننا مقبلون على مجاعة، حتى أن محاضرة نظمت لهن، خلال مهرجان ثقافة الطفل بالشارقة، لم يحضرها منهن ولا واحدة، وحين سئلن عن السبب كان الجواب: إنهن في الأسواق يستعددن لرمضان، ويملأن المخازن بما يلذ ويطيب من مطعم ومشرب. ولكي لا تزعل علينا النساء، نقول لهن: برافو على هذا الاهتمام الشديد بنا وببطوننا، فهذا دليل كبير على يقظتهن واستعدادهن للاستنفار المبكر للطوارئ والمناسبات المفاجئة وغير المفاجئة.

غير أن لرمضان المعاصر والعصري أبطالاً عديدين آخرين غير النساء، وإن كان لهن البطولة الأولى، لأنهن اللواتي يزين موائدنا بأنواع من الأكل والطبيخ والحلويات من الأصناف الثقيلة والخفيفة معاً، ومن كافة الأشكال والألوان، وكأنهن فنانات تشكيليات يتبارزن على إظهار المواهب الفنية الدفينة، التي لا تظهر للأسف إلا في رمضان. ومع أننا في رمضان لا نأكل إلا وجبتين، هما الإفطار والسحور، وبينهما خفائف ولطائف، إلا أن معدل ما نستهلكه من أكل، يفوق معدل ما نطحنه ونضرسه خلال شهور، ذلك لأن رمضان العصري تحول على أيدينا، أو على بطوننا لا فرق، إلى ساحة مباريات في الكرم والبذخ والإسراف، وفي هذا وجه من وجوه تناقضاتنا الصارخة التي تظهر في رمضان الكريم، مع إن الأصل في الصوم، هو الاقتصاد والاعتدال في المأكل والمشرب، لكي نشعر بشعور الفقراء والمحرومين. أما الوجه الآخر، فهو إننا نتحدث عن رمضان، على أنه شهر النشاط والعمل والكفاح، غير أننا نقضيه نائمين نهاراً، وكسالى متثائبين ليلاً، أمام المسلسلات والأفلام، ونقول إن فيه تهدأ الأعصاب وترق النفوس والقلوب، غير أن ما نراه هو النرفزة والعصبية وضيق الخلق والصدر، ولمن يريد أن يرى بأم عينيه فليذهب لتخليص معاملة له خلال الشهر في إحدى دوائرنا، ولو خلصها يبقى يقابلني، هذا مع افتراض أنه سيجد الموظفين على الدوام المحدد لهم. أما عصرنة رمضان، فتتجلى في رمضان التلفزيوني، حيث يستلمنا التلفزيون، أو نستلمه، لا أدرى بالضبط، من ساعات الظهر وحتى الفجر، مسلسل وراء مسلسل، وراء برنامج، وراء أغان، فوازير نيللي وشريهان وصابرين، وكأننا في مهرجان للتلفزيون والفنون تتنافس فيه المحطات علينا، ذلك كله من أجل تسليتنا، نحن الصائمين، ولو لم يكن عندنا مفهوم خاطئ عن رمضان، على أنه شهر الفراغ ومضيعة الوقت، لما تجرأ المنتجون الذين ينتجون طوال العام مسلسلات، وينتجون لرمضان وحده عدة مسلسلات.

أما الأسواق والمقاهي، فكرنفالات ليلية، يطلع إليها خفافيش الليل، الذين يقضون النهار في سابع نومة، وفي الليل يتحولون رجالاً ونساءً، إلى سياح أجانب منبهرين وهم يتسكعون بلا معنى، لتمضية أوقاتهم من رصيف إلى آخر ومن سوق إلى غيره. لذلك فإن النساء لسن وحدهن اللواتي واكبن المتغيرات، وصرن مستنفرات لهذا الشهر وفيه، فكل على طريقته، يحتفل بالشهر، ويقضي أيامه ولياليه، أما الجامع الوحيد بيننا جميعاً، هو أننا نبحث عن التسلية في رمضان، والتسلية كما تعرفون فنون وأنواع، تبدأ من الأكل والنوم، وتمر بالمقهى ولعب الورق وتنتهي بالمسلسلات والغرام بها. ولو كان الأمر بيدي، لأعلنت رمضان شهر إجازة، لكي لا يفوت أحد صنف من الطعام، أو مسلسل تلفزيوني، أو فزورة رمضانية، أو تنزيلات الأسواق، مع تحذير الناس طبعاً من التخمة والحموضة والإمساك، ومن ضعف النظر وإرهاق العيون ومن مقالب التنزيلات التي تلحس الجيوب وتشفطها وتترك الناس على الحصيرة.

من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.