قرأت أمس خبراً ذكرني بالمثل الشعبي القائل «العورة تعيب على أم زر» فقررت أن أواصل كتابة هذه الزاوية، بعد أن خطر لي أنه من المستحسن لي وللقراء أن أوقف كتابتها خلال شهر رمضان المبارك. واتخاذ مثل هذا القرار الذاتي لا يحتاج طبعاً لموافقة من مجلس الأمن الدولي، على اعتبار أنني من العالم النامي، الذي لا ينتبه له هذا المجلس إلا إذا سمع أنه على وشك امتلاك قنبلة نووية، أو أنه استورد معدات حديثة لصنع مفاعلات، وأنا لم أصل بعد إلى هذا المستوى الخطير، حتى استحق أن ينظر إليّ مجلس الأمن بغضب، ويصدر ضدي قراراً وراء قرار. أما عن الخاطر الذي طرأ لي، فعندي أسباب وجيهة له، منها أن كتابة الزاوية نهاراً في رمضان أمر متعذر لمدخن مثلي، لا يستطيع أن يمسك القلم بيد إلا ويمسك حبة سيجارة باليد الأخرى، أما ليلاً، فهو متعذر أكثر، لأنه بعد الإفطار ينتفخ الرأس ولا يعود قادراً على التفكير، وتتعطل كافة الحواس وتصير ثقيلة، ولا يمكن معها القيام بأي حركة أو نشاط مثل الكتابة، غير حركة واحدة هي النوم. ثم إنني وكغيري من خلق الله، فكرت أنه من حقي أن لا أدع مسلسلاً رمضانياً يفوتني، وكل مسلسل فيه من الممثلات والفنانات والقصص والطرائف، ما يكفي للسيطرة علينا نهاراً وليلاً، وإشغال عقولنا التي تأخذ إجازة استراحة في رمضان على مدى الأربع والعشرين ساعة.
غير أن السبب الأهم الذي كان على وشك أن يدفعني للامتناع عن الكتابة هو أن الحش والنميمة والقص في سيرة الناس وأخبارهم، مما نسميه نحن النقد والانتقاد، يتعارض مع تعاليم رمضان وسلوكيات الصائم، الذي عليه أن يحفظ لسانه عن كل سوء، وأن يصوم عن كل كلام ولغو، وبما أن هذا الحش، هو رأسمال عملنا، وصنعتنا التي نتقاضى عليها رواتبنا، فإن الامتناع عنه، يهددنا في مصادر رزقنا، ويجعلنا نخالف قواعد عملنا ونخل بها، والعمل كما تعرفون عبادة، ثم إننا، نحن الصحافيين، ينطبق علينا القول: ناقل الكفر ليس بكافر، وفي هذا ضمان لنا على أن ما نكتبه لن يتعارض مع صيامنا، مع أنه يتوجب علينا أن نضحي بالمسلسلات الحلوة والاسترخاء اللذيذ والكسل والنعاس، على عكس غيرنا، لكي نصوم ونعمل معاً.
أما الخبر، الذي أنقله لكم اليوم، فيعفيني من جريرة النميمة هذه، ذلك، لأن عندنا في الوطن العربي يقوم غيرنا بالنيابة عنا بهذا الحش ويصبح دورنا محدوداً بنقله. فالعراق يشن حملة هذه الأيام على القذافي، وصحيفة «بابل» التي يصدرها عدي بن صدام حسين ترى أن القذافي يحاول أن يسرق من صدام دور زعيم الجماهير العربية، في تصديه لأمريكا والغرب، وتقول الصحيفة إن «القذافي يعيش في داخله عقدة اسمها صدام حسين، وإذا لبس صدام عباءة يفعل القذافي الشيء نفسه في اليوم التالي، وإذا عقد صدام مؤتمراً للشخصيات الوطنية يفعل القذافي مثله في اليوم الثاني» إلى آخر هذا الردح غير السياسي. ولا تعليق عندي على الخبر، سوى المثل الشعبي الذي تصدر اليوم الزاوية، وسوى الدعاء أن يشفي الله بعضنا من عقدة الزعامة، التي رأينا نتائج أفعالها وتصرفاتها في رؤوسنا التي ابيض شعرها مبكراً وخربطت عقولنا وجعلتنا مسخرة وطماشة في العالم، حين قرر هؤلاء الزعماء التصدي لأمريكا بسيوف من خشب وخيول من صفيح، وبإذاعات من عهد عاد وثمود.
ثم إن هؤلاء الذين ركبتهم عقد الزعامة سنين، إذا لم تكف المصائب التي مرت بنا لكي توقظهم، فإن رمضان الكريم كفيل بإيقاظهم، هذا لو عرفوا بالطبع، أن الجماهير التي يتحدثون عنها ويتنافسون على زعامتها، مشغولة عنهم وعن عنترياتهم بمسلسلات ليلى طاهر ومحمود عبد العزيز وصفية العمري وعفاف شعيب وغيرهم، حتى لو دكت أمريكا طرابلس الغرب، وبغداد بالصواريخ والقنابل. غير أن هؤلاء لا يعرفون مثل هذه الحقائق البسيطة ولا يعترفون بها ويصرون على أن الجماهير العربية تذوب حباً فيهم وتتمسك بدباديبهم. واللهم لا شماتة، اللهم إني صائم.
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.