لابد أن نيجيريا، كان عندها من الأسباب ما يكفي، حين فكرت في فرض ضرائب على دخول الشحاذين خاصة بعد انخفاض أسعار النفط، فهؤلاء عادة ما يبدأون عملهم دون رأسمال ولا مصاريف ولا علم، ثم يتحولون إلى أثرياء ينافسون رجال الأعمال والمال، فلماذا لا يكون للدولة نصيب من ثروتهم إذن، حالهم حال غيرهم؟ ومع أن نيجيريا ستجد صعوبة في معرفة وتقدير ثروة هؤلاء، فإنها ستواجه، فيما لو طبقت هذه المزحة حقاً، بمطالب عديدة من الشحاذين، مثل تحسين الأرصفة التي يسير عليها هؤلاء مادين أيديهم للمارة، أو وضع أكشاك خاصة بهم ومظلات تحميهم من الشمس والحر والمطر، أو مثل أن يطالب هؤلاء بتشكيل نقابات لهم، تحمي مصالحهم، ويطلع من بينها من يمثلهم في البرلمان، وفي الحكومة أيضاً.
وبما أننا نعاني هذه الأيام، خاصة في رمضان، من هجوم الطلاليب والشحاذين علينا في بيوتنا ومكاتبنا وفي المساجد والمجالس والأسواق، فإننا نطالب البلدية بتنظيم هذه المهنة الحرة جداً، ليس بفرض الضرائب، فنحن في بلد اقتصادها حر ومفتوح ولا ضريبة عندنا على الدخل، بل باستخراج رخص مهنية لهؤلاء، مثل غيرهم من أصحاب المهن، ولكي نعرف من بينهم الشحاذ المرخص له بالعمل، من غيره، أما كيف تنظم البلدية هذا الأمر، فهذا شأنها ولن نحشر أنوفنا في شغلها. غير أن البلدية، فيما لو فكرت في مثل هذا الإجراء التنظيمي لمهنة الطرارة والشحاذة، ستواجهها عقبات غير التي في نيجيريا، مصدرها تطور هذه المهنة وتعدد أساليب نشاطها وعملها.
فالشحاذ التقليدي، الذي كنا نراه على باب المسجد بعد صلاة الجمعة، أو زميله الذي نراه يفترش رصيفاً في السوق، أو الذي يسير متوكئاً عصا ويساعده طفل صغير، اختفى ليظهر مكانه الشحاذ العصري الذي واكب تطور مجتمعنا المادي، وتطور حركة التجارة فيه اليوم يأتي الشحاذ ليدق أجراس المنازل وهو في كامل صحته وأناقته، أو يذهب إلى المجالس والمكاتب، ولا يطلب صدقة أو إحساناً، قائلاً: «لله يا محسنين» كما كان يفعل شحاذ زمان، بل يطلب مساعدة ومعونة، لبناء منزل، أو شراء أثاث، وقد روى أحد رجال الأعمال في دبي، عن شابين مهندمين، فطرا معه في مجلسه، وبعد صلاة المغرب، تقدما منه يطلبان مساعدته لشراء سيارة مرسيدس، لأن «فلوسهما قصرت شوي» وروى آخر كيف أن مكتبه يتحول في الصباح إلى وزارة شؤون اجتماعية، لكثرة المترددين عليه طلباً للمعونات كتذاكر السفر أو لحالات علاج وغير ذلك.
كسرة الخبر، أو كيلة الرز والطحين، أو بضعة دراهم، لم تعد اليوم تلبي مطالب هؤلاء، بل كمشة معتبرة من المال، أو شيك يضحك، وبعض الشحاذين المودرن، يتجولون في سياراتهم، ويوقفون الآخرين ليطلبوا منهم مساعدات متذرعين بأسباب عديدة، وبعضهم يطلب هذه المساعدات كدين مؤقت سيقومون بإرجاعه حال تحسن ظروفهم، وبالطبع، فإن مثل هؤلاء الشحاذين العصريين، يسيئون حقيقة للمحتاجين والمساكين الفعليين، الذين صاروا يجدون النبذ والصدود من الناس، خاصة المقتدرين والأثرياء، على اعتبار أن الجميع «محتالين ودجالين وعيارين» وأن مجتمعنا يخلو من الفقراء. لذا فإننا نطالب فئة الشحاذين الدخلاء على المهنة، أن يكفوا عن هذه الإساءات التي يلحقونها بالشحاذين والطلاليب الأصلاء، وعلى هؤلاء نقترح أن يشكلوا جمعية خاصة بهم، لا تقبل في عضويتها إلا كل شحاذ أصيل وحقيقي ومحتاج فعلاً، لكي لا يتعرضوا لمثل الموقف الذي تعرض له زميل لهم حين دخل على أحد القضاة وطلب منه صدقة قائلاً: أنا رجل مسكين، وعندي أولاد صغار، وقد حكم على الزمان بالفقر، فرد عليه القاضي فوراً: استأنف يا عزيزي! لكن المشكلة تبقى في من هو الشحاذ البطل والجريء الذي سيدعو لتنظيم المهنة ولم شمل زملاء الصنعة في شركة أو جمعية دون أن يحمل يداً برجل في «جيب» الشرطة إلى أقرب مركز؟
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.