عبد الحميد أحمد

على خدك حبة لولو

التمر، لا غيره، هو ما أوصى به الآباء والأجداد كزاد وغذاء من ناحية، وكمقو طبيعي من ناحية أخرى، لذلك كانت موائد الإفطار قديماً لا تخلو من فردات التمر، التي يبدأ بها الصائم طعامه، ثم إنكم أيها الصائمون إذا مللتم من التمر، فعليكم بالدبس، خاصة مع اللقيمات، فهذا كله حديد وصحة، وإذا أردتم تطوير تراثكم فعليكم بكيكة التمر، أما عن مقادير وكيفية صنع هذه الكيكة فأرجو مراجعة عائشة عبد اللطيف مقدمة برنامج المرأة بإذاعة دبي فعندها تجدون الوصفة الكاملة غير أن التمر زاحمته صحون الفرني والكستر والجيلي الصفراء والخضراء والحمراء، وأنزله من عرشه المكين الفيمتو وقمر الدين وروح افزا، ثم جاء الهيروين ليدخل مؤخراً سباق الحلبة ليصرع التمر والمتمرتين (أي محبي التمر وآكليه، بعد الاعتذار من فطاحل مجمع اللغة العربية على هذا الاشتقاق التمري) وكان يمكن لعدد من المواطنين الصائمين اللي على وجوههم مثلي، أن يفطروا مؤخراً على الهيروين بدلاً من الخنيزي، أو الجش أو الحبري أو الخلاص واللولو، ولكم أن تتصوروا حال هؤلاء بعد أن يكونوا افتتحوا طعامهم بالتمر المحلى بالبودرة البيضاء، بدل السمسم والسنوت والمثيبة.

فقد قرأنا مؤخراً عن ضبط ١٤ كيلو جراماً من الهيروين مخبأ في قلال التمر، وطبعاً فإن اختيار التمر هذه المرة، بعد أن عودنا المهربون على إخفاء سمومهم في علب الحليب ومعاجين الأسنان والمكسرات وغير ذلك مما يؤكل ويشرب، يأتي منسجماً مع رمضان الذي يقبل، فيه الناس على تناول التمر ويزداد استيراده من الخارج. ومع أن تجار المخدرات ثقلاء وخطرون ووحوش، إلا أنهم في الوقت نفسه ظرفاء وغشمرجية، فيهم يبيعون الكيف ويروجون الضحك، وتظهر إبداعات ظرفهم في استغلال المناسبات لترويج بضاعتهم وفي أساليب تهريبها، والأهم في الأسماء التي يطلقونها على هذه البضائع، وفي مواكبتهم للتطورات الثقافية والاجتماعية والسير معها جنباً إلى جنب.

وزمان كانوا يسمون الحشيشة «انت عمري» ويسمون الماريجوانا «يا ظالمني» أو «أمل حياتي» ولأن هذه الأسماء صارت قديمة حيث لم يعد الشباب يسمعون أغاني أم كلثوم ولا يطيقونها ويفضلون عليها الأغاني الشبابية السريعة، التي نسميها نحن المتخلفين بالطقاطيق، فقد طور هؤلاء الأسماء لتكون مودرن مثل هيروين «على خدك حبه لولو» وكوكايين «لولاكي» وأفيون «زحمة يا دنيا زحمة» ويضعون فوق رؤوسهم الطاقيات سموا بضاعتهم بأسماء تلائم الطقس والسوق، وتتناسب مع الأجواء الروحية التي تغمر البلدان وتعمر القلوب، وكتبنا مرة عن سيدة تروج مخدرات سمت صنفها «توكلت على الله» ومؤخراً ضبطت سلطات بيروت صنفاً آخر اسمه «تبارك الله» استغفر الله العظيم. ولو أردنا أن نساير مهربي المخدرات وتجاره في ظرفهم، لسمينا الهيروين المضبوط في التمر أسماء مثل «خنيزي يا عزيزي» أو «بركة الصائم ولذة المفطر» وغير ذلك من المسميات الطريفة، إلا أن ظرف هؤلاء سرعان ما ينقلب حين تمر بضاعتهم إلى الناس، إلى ويلات وآلام وندم وقتل، وكنا قبل سنوات نقول إن المروجين والمتعاطين هم من الأجانب، واليوم صرنا نعترف مكرهين أن من بين المروجين والمتعاطين مواطنين، وشباباً صغاراً، وطلبة مدارس، ذلك لأننا تركنا الحبل على الغارب ولم نحسم ردع هؤلاء كما فعلت بعض الدول ومنها ماليزيا حين فرضت عقوبة الإعدام لمثل هؤلاء. فعقوبة سجن ثلاثة أشهر أو ستة أو حتى سنة مع الإبعاد لا تكفي لمثل هؤلاء، بل إن مثل هذه العقوبة تغري أكثر مما تردع وتجعل تجار هذه السموم ومروجيها يزدادون عدداً وتنظيماً وانتشاراً. ولو لم نفعل ذلك الآن بشجاعة القاضي المصري جمال عبد الحليم الذي تحدثنا عنه أمس، فإننا سنجد غداً أولادنا وقد تحولوا من متعاطين مدمنين إلى مروجين وتجار كافة الأصناف بأسماء محلية هذه المرة من نوع «دزني باطيح» أو «صوبنا» أو «صبوحة خطبها نصيب» غير أننا لن يكون بمقدورنا أن نضحك عندئذ.

من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.