عبد الحميد أحمد

الدجاج ولوكيربي

تذكرنا أزمة لوكيربي بسالفة حبة الشعير والدجاجة.

فقد كان رجل يخاف من الدجاج، لأنه كان يعتقد أنه حبة شعير، وكان كلما رأى دجاجة فر منها مذعوراً، ولما طال به هذا الخوف، أخذه أهله إلى طبيب نفساني، استطاع بعد علاج طويل أن يشفيه من هذا الوهم، غير أن الرجل ما كاد يخطو خطوات خارج العيادة مبتهجاً وفرحاً، حتى عاد أدراجه ركضاً، وهو يرتعد من الخوف، فسأله الطبيب: ما الخبر؟ فقال الرجل: دكتور، لقد اقتنعت بأنني لست حبة شعير، ولكن كيف أقنع الدجاج بذلك؟

ولا ندافع اليوم عن القذافي وعن ليبيا، فأولاً، الدول العربية مجتمعة لا تستطيع أن تدافع عنهما، لكي لا تأخذها شبهة تأييد الإرهاب والإرهابيين، ولكي لا يزعل عليها النظام الدولي الجديد ويظهر لها العين الحمراء، وقد رأت ما فعلت هذه العين بالعراق حين كابر حاكمه واستكبر، فكيف لي أنا أن أدافع عنه، مع الفارق الكبير طبعاً بين ما فعله صدام وما يعتقد أن القذافي قد فعله.

غير أن كل ما فعله وقاله وعرضه القذافي حتى الآن، لا يريد الغرب الاقتناع به، وربما كان خطأ القذافي الأكبر هو أنه ليس إسرائيلياً، أو أنه لم يصرف أمواله في الماضي على إنشاء لوبي صهيوني مؤيد له في كل من واشنطن ولندن، بل صرفها على حركات التحرير والتحرر وأوهامهما، وفاته أن القرش الأبيض ينفع في يوم لوكيربي الأسود.

ولو كنا نحن العرب نستطيع شيئاً لدفع الأذى عن الشقيق، لطالبنا فوراً بفتح ملف الطائرة الليبية التي فجرها الإسرائيليون فوق مصر قبل سنوات، ولطالبنا بتعويضات وبتسليم المتهمين لمحاكمتهم، إيماناً بما نردده في كلامنا السن بالسن والعين بالعين والبادي أظلم، لولا أن ألسنتنا طالها الخرس، وسلمنا لغيرنا مقاليد أمورنا وصرنا في الباي باي، لا نرى، لا نسمع ولا نتكلم.

وبصراحة، نؤيد كل التأييد محاكمة المتهمين بتفجير الطائرة الأمريكية وإنزال أشد العقوبات بهما، إذا ثبتت إدانتهما فعلاً، كما نؤيد معاقبة ليبيا لو ثبت تورطها، لأننا ضد الإرهاب وضد قتل الأبرياء والأطفال والمدنيين، غير أن ما يجري يتجاوز القوانين الدولية والعلاقات بين الدول واحترام السيادة، إلى أعمال التهديد والوعيد والقهر وإهدار كرامة الدول، بمنطق القوة الأعمى التي ترى نفسها فوق هذه القوانين وفوق كرامة الدول.

ونخشى أنه في حال نجاح الغرب في إخضاع ليبيا وإذلالها أكثر مما جرى ويجري، أن تطالب فرنسا غداً بتعويضات عن جنودها الذين ماتوا في الثورة الجزائرية، وأن تطالب إيطالياً وغيرها من الدول التي استعمرتنا بالأمر نفسه، ذلك لأننا عندها مازلنا حب شعير، ولم تجد بعد من يقنعها أننا لسنا كذلك، وإن كنا نعرف بيننا وبين أنفسنا أننا في أحوالنا الراهنة حب شعير متناثر يغري الدجاج فينا، ولو كان من النوع المثلج، أو حتى كنتاكي تشيكن فرايد، وخلوها على الله.

من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.