ماذا تفعل لو وجدت نفسك فجأة صاحب عمارة، وأنت المفلس الحنتير، الذي لو كان بإمكان جيوبك معرفة طريقها إلى القضاء لذهبت تشتكي عليك من البرد على اعتبار أن الفلوس تدفئ وهي لم يدخلها منذ تزوجت وأنجبت نوط خمسمائة درهم حتة واحدة؟
هذا ما حصل لي، حين اتصل بين زميلنا محمد الجوكر قائلاً: عندك عمارة ونحن ما ندري، ولا ومسوي عمرك فقير؟ وأضاف: إذا كنت خائفاً من الحسد فنحن أصدقاؤك ولن نحسدك إذا أخبرتنا أن عندك عمارة، على العموم تستاهل وتستحق أن تكون عندك ١٠ عمارات لا عمارة واحدة، أما الحكاية، فهي أن زميلنا الجوكر الذي يتصفح الجريدة من صباحية ربنا ولا يترك فيها صفحة أو خبراً أو زاوية أو إعلاناً إلا ويقرأها عن بكرة أبيها، قرأ منذ يومين في إعلانات البلدية عن إلغاء الرخص أو تغيير النشاط التجاري أو انسحاب ودخول شريك جديد، إعلاناً ورد فيه، عنوان محل على النحو التالي:
العنوان – بناية عبد الحميد أحمد – دبي … إلخ، وحين راجعت الصفحة، تأكدت أن الزميل لا يفتري ولا يمزح، لأن العمارة فعلاً باسمي، كما هو وارد في الإعلان. وبما أننا عيال فقر وأحلامنا أكبر منا، فقد صدقت نفسي، وصرت صاحب بناية، خاصة أننا في العشر الأواخر من رمضان وفيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وفيها يستجيب الله للدعاء، خاصة إذا كان من واحد مثلي غير أنني لم أتذكر أني دعوت الله أن يمنحني عمارة دفعة واحدة، فأنا لست طماعاً وأعرف حدودي ولم تتجاوز أحلامي في يوم ما الحصول على مسكن شعبي جديد، بعد أن ضاق المسكن الحالي بأفراد العائلة، فكيف بي وأنا أحصل على بناية بكاملها تغنيني وتغني أولادي وأولاد أولادي من بعدي عن المسكن الشعبي وانتظاره؟
ولأن الإعلان لم يحدد عدد أدوار عمارتي التي نزلت علي من السماء من حيث لا أحتسب، إلا أنني تصورت أنها تقل عن عشرة أدوار، وتحتها شوية دكاكين، ومعنى ذلك أن دخلها من الإيجار السنوي لن يقل عن مليون درهم، وعليه قررت أن أقدم استقالتي فوراً وأن أتوقف عن العمل في الصحافة، ووجع القلب والرأس الذي تسببه، ومن كتابة هذه الزاوية اليومية المرهقة، وأن استريح مثل كل الأغنياء، يوم في باريس وآخر في القاهرة وثالث في لندن، ورابع في بيروت، وأن أبني لأم العيال والأولاد فيللا من دورين، وأضع تحت تصرفهم سيارة مرسيدس بسائق، ومجموعة من الخدم والحشم حتى إذا تزوجت من أخرى لم تضربني بالكعب العالي، وما عليّ إلا أن أقبض إيراد العمارة مطلع كل عام، وكفى الله المؤمنين شر العمل وجري الوحوش وراء لقمة العيش. غير أن العمارات لا تبنيها الأحلام ولا مجرد الدعوات، وإن كان هناك من يثري بالصدفة، كأن يرث عن أبيه الملايين، أو يأتيه تعويض ضخم عن أرض، أو يحصل على وكالة أو كفالة شركة أجنبية عملاقة نظير مليون أو مليونين كل عام، وما أنا بواحد من هؤلاء، ثم إن منفذ الصفحة الأخيرة يقف على رأسي الآن يطالبني بزاوية اليوم التي لم أكتبها بعد، ولولاه لما صحوت من حلم اليقظة الذي سببه هذا الإعلان ونفخني كالبالون ونفخ جيوبي ورأسي بالهواء والتراب، وأثار فوق هذا حسد الزملاء الصحافيين عليّ واتهامهم لي بالكذب وإخفاء ثروتي وحقيقتي البرجوازية تحت رداء الصحافي الغلبان، وحمدت الله أن الإعلان لم يقع بين يدي أم العيال، وإلا لكانت ليلتنا كحلي وهباب وستين ألف نيلة وهي تستجوبني وتقدم قائمة عريضة طويلة بمطالبها من المشتريات قبل العيد. وعلى ذكر الإعلانات فقد قرأت مؤخراً عن شركة ألبان تطلب التقدم لوظيفة «مدير قطيع» ومع أن الإعلان لم يحدد مؤهلات هذا المدير ولا خبراته المطلوبة ولا شروط الوظيفة، إلا أنني تصورت أحد أمرين: إما أن يكون المدير المطلوب فوراً ثوراً حقيقياً وصاحب قرون حادة وعضلات مفتولة وكامل الفحولة لكي يتمكن بمواصفاته هذه من إدارة قطيع البقر على طريقته ويجعله يدر الحليب للشركة ويضاعف أرباحها، وإما أن يكون بشراً مثلنا، وفي هذه الحالة عليه أن يجيد مهمات الثور، وعلى رأسها أن يصدح في قطيعه كل صباح: «انكوووح» لكي يحظى بالقبول وبالوظيفة المعتبرة هذه. وإذا كنت قد وقعت ضحية إعلان بسبب تشابه الأسماء فما الذي يقوله كافة المديرين عن إعلانهم بسبب تشابه المناصب، وجعل من الواحد منهم مجرد راعي بقر، أو «سراح» كما نقول ولن نضيف كلمة أخرى غير القول: يا إعلانات حلي عن سمانا!
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.