أثارت كلمة «شمحوط» معركة كلامية حامية، (وكل معاركنا لابد أن تكون حامية)، على صفحات بعض الصحف العربية مؤخراً، حين اعتبر أحد المجامع اللغوية العلمية، الكلمة فصحى، مما دعا الشيخ حمد الجاسر، علامة الجزيرة العربية، للرد عليه، متهماً العاملين فيه بالإساءة للغة العربية وإدخال كلمات عامية إليها، لكن هؤلاء ردوا عليه محاولين إثبات نسب هذه الكلمة إلى اللغة الأم.
وبعيداً عن المعركة اللغوية هذه، وعن كافة معارك المجامع العربية ومعارك الدول العربية أيضاً، فإننا تعرفنا على الكلمة أول ما تعرفنا عليها من خلال إحدى المسرحيات الكويتية، حين وصف أحد أبطالها زوجة أبيه بــ «الشمحوطة»، ففهمنا أن الكلمة تعني الطويلة الفارعة القوام.
ولابد أن أحداً من الصينيين شاهد هذه المسرحية، وعلقت الكلمة في ذهنه، فنقلها إلى بلاده وأقنع بها حكومته، التي قررت مؤخراً البحث عن شمحوطات لتوظيفهن كممرضات، وإحلالهن محل الممرضات الحاليات القصيرات وغير البارعات وغير الجذابات، واللواتي يضاعفن آلام المرضى بدلاً من التخفيف عنهم.
والخطوة الصينية تأتي ضمن خطوات الانفتاح المحسوبة الحذرة، وقد طلبت السلطات، فتح باب المقابلات من جديد، بعد انقطاع دام عقدين، للمتقدمات لوظيفة التمريض، للتأكد من أن اللائي يتم تعيينهن يتمتعن بالطول والبراعة والجمال.
وصحيح أن السلطات الصحية ستجد صعوبة في إيجاد هذه المواصفات الانفتاحية الجديدة في الصينيات، لكن الصينيين يؤمنون بالقول المأثور لا تخشى التقدم البطيء واحذر أن تقف جامداً. ومن هنا قرر الصينيون السير ببطء، لكي لا تخرب بلدهم كما خرب الاتحاد السوفييتي، الذي أراد الطيران مرة واحدة فسقط ميتاً، ثم إنهم لم يسمحوا لغيرهم، خاصة قادة ما يسمى بالنظام العالمي الجديد، التدخل في شؤونهم، ولا هم ركضوا وراء هؤلاء لكي يشحذوا منهم المساعدة والنصح فأحد أمثالهم يقول: لماذا نرمي بأنفسنا في الماء قبل أن ينقلب الزورق؟
وما دمنا في سيرة الانفتاح الصيني من بوابة النساء، فإن الصين قررت على خطى معالجة الممرضات المصابات بالقصر والقبح، محاربة العبوس وصلافة التصرف بين مضيفات الطيران الصيني، وبدأت هذه الخطوط تنظيم دورات لتعليم المضيفات فن الابتسامة وأدب اللياقة وأصول الخدمة.
ثم إن الصين لم تنس وهي تشن حربها على الممرضات والمضيفات، أن تعلن أيضاً حرباً صحية من نوع آخر، فبعد الحملات الشهيرة على الفئران والجرذان، جاء دور الذباب، حين دعت بلدية العاصمة بكين إلى إبادة أكبر عدد ممكن من الذباب على امتداد سنة لتخليص العاصمة من هذه الحشرات، وذلك ضمن حملة تعبئة العمارات والمطاعم والفنادق والمستشفيات وغيرها من الأماكن العامة، واستثنت الحملة المساكن شرط ألا يتجاوز عدد الذباب في كل مئة غرفة الثلاث ذبابات، ولم نعرف بعد الحكمة من وراء هذا الاستثناء.
وتسمح لنا هذه الأخبار الصينية الطريفة بالكثير من التعليقات الساخرة، غير أننا تعلمنا من صغرنا أن نطلب العلم ولو في الصين، فإذا كنا لا نعاني من قبح الممرضات ولا قصرهن، ولا تنقصنا المضيفات الشمحوطات اللواتي يوزعن الابتسامات بالملاليم، فإنه بإمكاننا أن نعقد صفقة العمر مع الصين، بأن نطلب منها تصدير الذباب إلينا بعد اصطياده شريطة أن يكون حياً، وبهذا يمكننا الحصول على عدة مليارات من الذباب، نطلقها بعد وصولها إلينا على إسرائيل، لكي تحارب نيابة عنا، وهي تنشر الأمراض بين اليهود وتقتلهم في عقر بيوتهم، وبهذا نحرر كامل فلسطين لا أراضي منها فحسب، ونتخلص بذلك من ورطة مؤتمر السلام، أو قرقور السلام، لا فرق.
غير أننا لم نفكر بعد في كش الذباب عن أنوفنا، فكيف نطلبه من الصين، التي تؤمن بحكمة قديمة تقول: «لا يمكننا السير محدقين في النجوم إذا كان في حذائنا حصاة» وما أكثر الحصى في أحذيتنا لا أحذية الصينيين.
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.