عبد الحميد أحمد

حصيرة في نهاية النفق

ربما احتجنا بعد الآن إلى محاسب متخصص في مفاوضات السلام مع إسرائيل، يعد الجولات التي يبدو أنها ستكون أكبر عدداً بكثير مما توقعنا، ويعد الكلمات والخطب والأوراق والملفات والتصريحات التي يقولها ويحملها كل وفد في كل جولة، ثم يعد مصاريف الوفود وعدد الساعات التي يقضونها في حوار الطرشان، ولا بأس كذلك من حساب عدد الوجبات وفناجين الشاي والقهوة ومصاريف كل هذا.

ومع أن المسائل واضحة، بالنسبة للعرب على الأقل، الذين يذهبون للتفاوض على أساس القرارين ٢٤٢ و٣٣٨ وعلى أساس استلام الأرض العربية مقابل السلام مع إسرائيل، إلا أن الأخيرة ليست في عجلة من أمرها لكي تكون جادة خاصة أن من يرعى هذه المفاوضات لا يفضل الضغط عليها ويفضل بدلاً من ذلك تركها معنا على حل شعرها، حتى لو أدى ذلك إلى سقوط شعرنا كله من على رؤوسنا وتحولنا إلى قرعان.

وبما أن هذه الجولة الجديدة من حوار الطرشان لا يعلق عليها أي أمل، فهي ليست إلا محطة في جدول الأعمال، انتظاراً لما تسفر عنه الانتخابات الإسرائيلية، التي وإن جاءت بإسحاق رابين رئيساً للحكومة، فإن الجولات المقبلة لن تكون بأحسن مما مضى، وإن أجرى رابين تحسينات شكلية على الفهم الإسرائيلي للسلام، حيث إنه بدلاً من رفض إعادة الأراضي يعرض استئجارها منا، وكأننا في حالة بيع وشراء مع إسرائيل، لا في حالة الحديث عن حقوق واتفاقات وسلام دائم.

ونحمد الله أن العرب لم ينتبهوا من البداية إلى أنهم سيتعاملون مع مفاوضين بمنطق البيع والشراء، وإلا لأرسلوا إلى هذه المفاوضات مجموعة مختارة من خيرة تجارنا العرب، الذين يجيدون فن المساومات والغش وسرقة الكحل من العين واللف والدوران على زبائنهم العرب فحسب، لكنهم مع التجار الأجانب، يصدقون ما يقال لهم فيقعون ضحية النصب والخداع، ولو أن هذا حدث، لانتهت المفاوضات في مدريد ولم تصل إلى واشنطن ولا روما، ولعقدوا صفقات في جلسة أو جلستين وعادوا إلينا ضاحكين وهم يحملون قبة الصخرة ومرتفعات الجولان ومياه الليطاني وأشجار الزيتون في الضفة في حقائبهم السمسونايت.

وعلى حسب هذا المنطق الإسرائيلي، وبما أن التجارة شطارة لا أعرف لماذا لا نتعامل مع اليهود ومفاوضيهم بهذه اللغة التي يحبونها، لغة المال والفلوس، فنعرض مثلاً شراء القدس بالكامل ولو بخمسين مليار دولار، واستئجار الجيش الإسرائيلي لاستخدامه في أغراض الدفاع المدني بعمولة سنوية مقطوعة، ثم نعرض على كل يهودي يغادر إسرائيل مبلغاً مجزياً من المال (رشوة يعني) خاصة أنهم لا يجدون أعمالاً الآن داخل إسرائيل، وبهذه الأموال التي ننفقها في هذا النضال، وعندنا منها الكثير وأكثر مما عند إسرائيل، نستطيع شراء اليهود بالكامل، الذين لو سمعوا بمثل هذه الصفقة المجزية لسال لعابهم وملأ البحر ولما ترددوا لحظة في قبولها.

غير أن مثل هذا الكلام غير المنطقي وغير المعقول، كما قد يراه البعض، لو أنه صار، فإن ما نخشاه هو أن يعرض الإسرائيليون علينا بعد أن يأخذوا أموالنا، استئجار بلداننا أو شرائها لنتركها لهم ليديروها عنا، بحجة أنهم أفضل منا في الإدارة وفي التعمير والبناء، وطبعاً فإن نظاماً عالمياً مثل الذي نرى هذه الأيام، جاهز لتصديقهم وتأييدهم وإلا لما وصلت مفاوضات السلام إلى الحال الذي عليه الآن بسبب مماطلات إسرائيل.

والمصيبة أننا لم نأخذ شيئاً بالحرب، ولا نأخذ شيئاً بالمفاوضات التي تريدها إسرائيل بيعاً وشراء، وواضح أن في نهاية نفق هذه المفاوضات تنتظرنا حصيرة شرط ألا يسرقها الإسرائيليون أيضاً.

من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.