ليس عندنا عمال مواطنون حتى نحتفل كغيرنا بالأول من مايو، فكل المواطنين عندنا مدراء أو رؤساء أقسام أو موظفون معتبرون على مكاتب أنيقة وسيارات فارهة وملابس نظيفة، وكل موظف من هؤلاء عنده في البيت، أو في عمل بعد الظهر، من العمالة، كالسائق والمزارع والطباخ والشغالة، ما يجعله أرباباً، أي رأسمالياً بلغة الاقتصاديين، لكن من دون رأسمال ولا صناعة ولا زراعة، أي رزة والبطن خالي، كما يقول مثلنا الشعبي.
طبعاً يمكن أن نستثني من هذا الكلام شوابنا نواطير المدارس، وزملاءهم سواقي تاكسي المطار وسواقي باصات أميرتاس، الذين لا يزالون يعملون ويكسبون من كد جبينهم، وإن كان غير وارد تصنيفهم ضمن فئة العمال.
وحسبنا أن عيد العمال هذا العام، سيمر مرور الكرام، ولن يجد في العالم من يحتفل به، بعد سقوط الدولة التي كانت تتحدث بالنيابة عنهم وتدافع عن قضاياهم، التي ثبت أنها استغلتهم أكثر من غيرها. من الدول الرأسمالية، وكان من مفارقات عيد هذا العام، خروج عمال الدول الرأسمالية كاليابان، بالملايين للاحتفال بالمناسبة، مقابل احتفالات متواضعة في دولة البروليتاريا سابقاً، حيث صار العمال فيها على البلاطة وربما حال بينهم وبين هذه الاحتفالات أنهم لم يجدوا سعر القماش الذي سيكتبون عليه شعاراتهم ومطالبهم، فالبحث عن حبة بطاطا أولى وأهم، من هذه الشعارات التي لا تملأ البطن، وأدت إلى خراب بيوتهم عن بكرة أمها وأبيها.
ونعود إلى عمالنا الهنود وغيرهم من العمالة الوافدة، التي غطت عندنا النقص في العمالة الوطنية فساهمت في بناء مدننا وشوارعنا وبيوتنا، وصارت جزءاً من حياتنا الاجتماعية نتيجة شدة الاختلاط بهم، حتى أن الواحد منا يشتاق إليهم حين يسافر خارج البلد لفترة، لأننا تعودنا عليهم وعلى ما يقدمونه لنا من خدمات، بما في ذلك الخدمات المنزلية، والطهي والأكل والشرب وغير ذلك، فهل يمكن لأحدكم اليوم أن يستغني عن البرياني اللذيذ أو عن السمبوسة الحارة أو حتى عن الدود والدال والمصالا والكيما، أو عن أغنيات محمد رفيق وعائشة وعن أفلام سلمان خان أو ماد هوري ديكست أو راج كابور وغيرهم؟
وصحيح أن هذه العمالة سببت لنا بعض المشكلات حين نقلت لنا سلوكياتها وثقافتها، حتى صار أصغر مواطن (سناً بالطبع) بلبلاً يغرد بالمالايالام والمليباري والأوردو، وبعضهم صار يكتب شعراً بهذه اللغات، ثم إن بعض هذه العمالة تساهم نتيجة للبحث عن الرزق في بعض الجرائم، وتدوخ الشرطة وهي تطاردها أو تبحث عنها. وبعضها الآخر نتيجة لعدم معرفته بقوانين العمل أو الهجرة صار كابوساً لمفتشي الوزارة وهم يبحثون عنهم مثل كولومبو وجيمس بوند في الأحياء والشوارع ومواقع العمل، إلا أننا، نحن المواطنين، لا ننكر رغم ذلك فضل هؤلاء وما بذلوه معنا من جهد في تعمير بلادنا.
وقبل هذه المناسبة، وصلت إلى هذه الزاوية من الأخ علي السيد أبيات شعرية لطيفة سماها «رباعيات بابو» الذي يبدو أنه خالف قراراً للبلدية، حين ذهب لبيع «الجاز» في أحد الأحياء من دون ترخيص، بعدما بارت شغلة الليلام وتم منعها، فإذا به يجد نفسه محجوزاً في مركز الشرطة بانتظار الأرباب الكفيل، لكي يمنحه حريته ويطلق يديه، وإلا فالتسفير في انتظاره، لا محالة.
والأبيات الطريفة ننشرها غداً، والتي كتبها علي السيد بالنيابة عن الرفيق بابو، هي مجرد سالفة طريفة من سوالف عمالنا، أعتقد أنها ستثير شفقة المسؤولين، ولكنها بالطبع لن تحول دون وضع بابو على أول طائرة أو باخرة عائدة إلى بلاده، فالقانون فوق الجميع.
من كتاب (النظام العالمي الضاحك)، إصدارات البيان، 1998.